شعار قسم مدونات

أن تكوني أماً لثلاثة

مدونات ثلاث ابناء

هل تصدقون أن الأب بإمكانه أن يفعل ما يفعله في المنزل بدون سند ودعم مستمرين من زوجته؟ وهل تصدقون أن الساعة التي يجلسها مع أبنائه بتركيز مشتت أحياناً وبتململ وضجر أحياناً أخرى، هل يمكن لهذه الساعة أن تؤتي أكلها لولا ساعات تمهيدية أخرى سبقتها من زوجته وأخرى لاحقة؟ إن الساعة التي أختم بها يومي مع أبنائي تتوج عملاً استمر لساعات لزوجتي معهم، فعندما ألاعب أطفالي في الساعة الأخيرة من يومها، تكون زوجتي قد أنهكها التعب من ملاعبتهم طوال اليوم، وعندما أقرأ لهم قصة ما قبل النوم تعاتبني طفلتي الكبرى بأن أمها تقرأ لها عادة قصتين! فأي مقارنة تلك!

 

كمثل الفنان يخرج يستعرض صورته وصوته أمام الجمهور بينما قائد الأوركسترا في الخلف ينهي ساعته التدريبية العاشرة مع الفريق لإخراج لوحة فنية جميلة يحسبها الناس للفنان ساعة توزيع الإعجابات ودفاتر التوقيعات! ربما يكون بعضاً مما يفعله الأب برضا داخلي نفسي، أو بحثٍ دائم من الزوجة، بينما ما هو مؤكد بأن كل ما تفعله الزوجة أو الأم في هذا المقام هو نابع من رضاها النفسي والعاطفي، وكامل تجاوبها الطوعي مع وظيفتها الأسمى في هذه الحياة.

 

بينما يستيقظ الأب ليتفقد أسرّة أبنائه ليلاً، تكون الأم قد جهزتها سابقا بعد أن نظفتها ورتبتها، وهيأتهم للنوم وحلت مشاكلهم، وودعتهم إلى الفراش بنفس مقبلة على الحياة منتظرة صباح الغد لبدء يوم جميل بنفسية أجمل!

ليس هناك أسمى وأرقى من وظيفة الأم، الوظيفة الأكثر تعباً في العالم، وظيفة "مدير عمليات المنزل" والتي تستمر لمدة 24 ساعة خلال كامل أيام الأسبوع! بلا راحة أو عطل أو إغلاق للهاتف في أوقات محددة، وبلا أجر أيضاً! الفرق الجوهري بين الأب والأم في أن الأم تعيش خارج الزمن مع أولادها، فلا حساب للوقت في حضرتهم، ولا يهمهما عدد الساعات المستغرقة بقدر ما يهمهما أن تزيد من سعادتهم، على عكس الأب المشغول، يعطي نصف ساعة محسوبة بدقة من وقته قبل أن تبدأ!

 

بينما يستيقظ الأب ليتفقد أسرّة أبنائه ليلاً، تكون الأم قد جهزتها سابقا بعد أن نظفتها ورتبتها، وهيأتهم للنوم وحلت مشاكلهم، وودعتهم إلى الفراش بنفس مقبلة على الحياة منتظرة صباح الغد لبدء يوم جميل بنفسية أجمل! وبينما يبدء الأب بالاعتياد على الجلوس ضمن فوضى الألعاب والورق، تكون الأم قد بدأت مرحلة جديدة في تعليم الأولاد بالاعتماد على أنفسهم وترتيب أشيائهم، وتعطيهم المجال لتطبيق ما تعلموه، على عكس الأب الذي يعاجلهم بالصراخ لترتيب المكان!

 

أن تكوني أماً لثلاثة، يعني أن لديك حسبة خاصة عن صديقاتك، فكل مشوار له متطلبات مسبقة وله حسابات خاصة، وربما تضطرين لإلغاء المشوار كاملاً إذا لم يتناسب مع وضع أطفالك! أن تكوني أماً لثلاثة، يعني أن الوقت مقسم على ثلاثة، والجهد مقسم على مجموع الثلاثة، وأنك تتذكرين أمورك الخاصة في ساعة متأخرة من الليل بعد هدوء مطبق لم تعتادي عليه في النهار. أن تكوني أماً لثلاثة، يعني أنك لك يوماً لا تعرفين وقت بدايته فضلاً عن نهايته، ولك ليل لا تعرفين كم سيعطيك من ساعات نومه!

 

ليس هناك أوسع من قلب الأم، يسع الجميع على تعددهم، ويمنح مساحات جديدة مع كل فرد قادم ليجد مكانه ومكانته محفوظين كأنه مولود معهم من ذي قبل. فكيف بقلبٍ شابٍ مقبل على الحياة توزعت مساحاته الواسعة الشاسعة بين ثلاثة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.