شعار قسم مدونات

كبرت يا أمي

مدونات الأم

بلغت السابعة والعشرين يا أمي

ليس عمر السابعة والعشرين مخيفا

لكن في هذا العمر أصبحت أشبهك أكثر مما تصورت يوما  

بلغت السابعة والعشرين

فبدأت أدرك قيمة شرب كميات كبيرة من الماء مع ظهور أول التجاعيد الصغيرة

صرت أتجه لا إراديا إلى المكان المخصص للفواكه والعصائر الطازجة في المحلات التجارية

قاطعت البسكويت والبطاطس المقلية والمشروبات الغازية

لم أعد أقدر على السهر طويلا ..

ولم أعد بحاجة إلى توبيخك كي أنام

صار النوم يغلب رغبتي في السهر

لم يعد صوتك  يوقظني يا أمي

صرت أستيقظ على صوت المنبه

 وحين أعود مساءا 

لا أجد عشائي جاهزا

حين أدخل إلى غرفتي

أجدها على الحال الذي تركتها عليه في الصباح

لا أحد يرتب فراشي

و يضع فوق مكتبي صحن مكسرات وعلبة نوتيلا

 

في عمر السابعة والعشرين أدركت أن العائلة أبقى من الأصدقاء وأن الرياضة مهمة جدا وأن أكل المنزل ألذ مليون مرة من الساندويتشات

لم أعد أحمل إلى سيارتك عالمي

فردة الحذاء التي لم ألبس

وكوب الحليب الذي لم يكتمل

و صوتي

سيارتي لا تتسع لهذا كله

 لقد صرت أستمع إلى الراديو في طريقي إلى العمل

لم أعد أغني كل صباح

لأن  يدك لا تمتد لتطفئ جهاز التسجيل

حتى تسمعي نشازي بحب

لا أحد يحب صوتي كما تفعلين يا أمي

وأنا أصدق أنك لم تري اعوجاجا بأسناني طوال هذه السنوات

ولم تري حاجة لأن أضع تقويما

لكنك سايرت رغبتي في ذلك

لأنك تحبينني يا أمي

كما أحب أو أكثر ربما

في عمر السابعة والعشرين

على أن أضع تقويم الأسنان مجددا

ولازلت أهرب كالعادة

في عمر السابعة والعشرين

أدركت أن العائلة أبقى من الأصدقاء

وأن الرياضة مهمة جدا

وأن أكل المنزل ألذ مليون مرة من الساندويتشات

في عمر السابعة والعشرين وبعد ثمان سنوات

من السكن بمفردي في مبيت الجامعة

 وفي الشقق المختلفة التي قطنتها

والفنادق الكثيرة التي حللت بها

حتى اعتبرها مسكنا مؤقتا أيضا

إذ قضيت بين جدرانها الباردة ربع العام الماضي مثلا

كل الغرف حتى تلك التي حاولت أن أجعلها تشبه غرفتي في بيتك

ليست كذلك يا أمي

لا سقف لي سوى ذلك الذي يضللك  

لا بيت لي سوى ذلك الذي يعمر بك

منذ أسبوع تقريبا ماتت نبتة الصبار المفضلة عندي

سقط الأصيص أرضا وانكسر

حملت نبتة الصبار ووضعتها في صحن صغير

تركتها هناك حتى انتفخت وماتت

لم أستطع أن أصنع لها شيئا

أعلم أنك كنت ستنقذينها

لو كنت هنا يا أمي

كبرت يا أمي وسافرت بمفردي 

لكن السفر معك شيء آخر

لم أكن أشتاق للعودة إلى الديار

لأنك كنت معي هناك

و أنت الديار يا أمي

أتذكر كيف كنت تشدين بيديك المقعد الأمامي للطائرة بخوف

و تتمتمين بآيات من القرآن

كنت أسألك لماذا تصرين على السفر كل عام

وتخافين في كل مرة هكذا

لقد أصبحت مثلك يا أمي

 افعل الأشياء التي تخيفني

دون نية في التخلص من خوفي

 

كبرت يا أمي وكبرت أيضا وكبرنا جميعا واكتشفت كم كنت مخطئة كم كنت غرة وساذجة وكم كنت أنت على حق.

كبرت يا أمي.. لكنني لازلت

تسألينني عن أكلي ومواعيد نومي  

ولازلت يا أمي تشحنين هاتفي أو ترسلين لي رصيدا من عندك

لأنك تكرهين أن يكون هاتفي بلا رصيد

وأنا أكره أن أشحنه

أو ربما أحب أن تفعلي ذلك لي

وأنت أيضا كبرت يا أمي

عرف الشيب طريقه إلى رأسك

و لم أعد أراك تصعدين الدرجة بسرعة

لم أرك تقرئين مجلة في سريرك لأن نظرك ضعف

متى ستزورين طبيب العيون وطبيب العظام وطبيب الأسنان

لطالما رجوتك أن تأخذي موعدا وتهربت قائلة لا وقت عندي لهذا

لكن عندك من الوقت ما يكفي لتهتمي بنا جميعا..

 لتتصلي بي كل يوم

عندك من الوقت ما يكفي لنا دائما يا أمي..

كبرت يا أمي وكبرت أيضا وكبرنا جميعا

واكتشفت كم كنت مخطئة

كم كنت غرة وساذجة

وكم كنت أنت على حق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.