شعار قسم مدونات

مراجعات في المشروع الإسلامي (2).. آليات تمكين الشباب

مدونات الشباب

متابعة للمدونة السابقة حول تمكين الشباب، وفي ضوء ردود الأفعال والمراسلات فإننا نتوقف اليوم أمام بعض آليات تمكين الشباب، ولمزيد من إلقاء الضوء على هذه المراجعة، فإنه حري بالتوضيح أننا لا نتحدث عن تمكين الشباب لمجرد كونه شبابا من حيث العمر، وإنما نتحدث عن تمكين الشباب المؤهل، والذي يملك قدراً كافياً من المعرفة والخبرة، تؤهله للقيادة وتولي المسؤوليات. وفي حال عدم توافرها فإن الحل يتوجه نحو تدريب هؤلاء الشباب وتأهيلهم، لا إقصاؤهم وعزلهم بحجة عدم امتلاك الخبرة الكافية.

 

ومن الجدير ذكره والتنويه إليه في هذا المقام، أننا نتحدث عن تمكين الشباب بمنهجية راسخة قيادية راغبة في التغيير، وليس تمكيناً انتقائياً تجميلياً، وإنما جزء من خطة استراتيجية تجعل الشباب هم عماد العمل وقادته، وتعطيهم حق المشاركة في القرار، ومتابعته وتنفيذه، جنباً إلى جنب مع أصحاب الخبرة والحكمة والسابقة بالفضل. إذ ليس المطلوب عزل الحكماء وأصحاب الخبرة والسابقة وتجميد أدوارهم، وإنما عدم استئثارهم بالقيادة، بل تمكينهم للشباب، وتحول دورهم من القيادة المباشرة والتنفيذية، إلى الجوانب الاستشارية التي تحتاج إلى الحكمة والخبرة معاً.

 

أما عن آليات التمكين للشباب فمتعددة تحتاج على اعتماد لوائح وقوانين تنظم العمل وآليات اختيار القيادة، إضافة إلى التنظير الفكري ونشر الثقافة، ولعل من أهم الآليات والتشريعات وأكثرها فاعلية، تحديد فترة تولي المسؤولية-أياً كانت-بفترتين سواء كانت مدة الدورة أربع سنوات أو خمس، فالمسؤول مهما كان خارقاً، فلن يستطيع أن ينجز شيئاً هاماً لم يتمكن من إنجازه في ثماني أو عشر سنوات.

 

ولعل بعض الرافضين لهذه الفكرة يعترض علينا، بأن هذا لم يكن معروفاً في الدولة الإسلامية الراشدة ولا ورد فيه نص، وأن فكرة تحديد تولي المسؤولية هذه فكرة غربية وافدة، وببساطة نقول: لكنها لا تتعارض مع النظام الإسلامي، وفيها الكثير من المنفعة، والكلمة الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها، وكل واحد من الخلفاء الراشدين تم اختياره بطريقة تختلف عن الآخرين، مما يؤكد وجود المرونة في آليات الاختيار والانتخاب للمسؤولية.
 

قد يكون ضرورياً أحيانا-أن نشرع الكوتات للشباب وغيرهم من الفئات التي نرى وجودها ضروريا في المجالس الشورية أو القيادة التنفيذية، والغاية من ذلك، أن نثبت للمترددين والمشككين في إمكانيات الشباب، أن لديهم من القدرة والكفاءة والفاعلية

أما الآلية الأخرى والتي لا تقل أهمية عن سابقتها: فهي تخفيض سن الناخبين والمرشحين لتولي مواقع المسؤولية، والتخفيض المطلوب هنا أن يصل عمر الناخب إلى ثمانية عشر عاماً أو أقل من ذلك، وحتى يؤتي هذا التعديل ثماره فلا بد من تخفيض عمر من يسمح له بتولي المسؤولية، ليدور حول الاثنين وعشرين عاماً وما حولها، إذ لا معنى لتخفيض عمر الناخبين ليصبح الشباب مجرد ناخبين، وعند سن الترشيح للمسؤولية نجعله فيمن يدور عمره حول الثلاثين زيادة قليلة أو نقصاً. وقد يقول قائل: ولم لا؟ أليس هذا سن مناسب للشباب؟ وأقول هذا حق قد يؤدي إلى باطل، فإذا أردنا أن نجعل الشاب ينتظر عشر سنوات، أو أكثر حتى يسمح له بالترشح للمسؤولية، فلكم أن تتصوروا حجم الإحباط الذي يتسرب إلى قلبه وعقله، وما قد يؤدي إليه هذا الإحباط من القضاء على قدرات الشباب وإبداعاتهم، بل ودفعهم إلى العزلة أو الخروج أو الانشقاق، بدلا من أن نستثمر هذا الربيع من العمر ونوظف قدراته وطاقاته على الوجه الأمثل.

 

ومن الغريب بهذه المناسبة، أن الذين يتغنون باهتمام النبي بالشباب يركزون دائما على كون عمر أسامة بن زيد ثمانية عشر عاما لما تولى قيادة جيش فتح الشام، وفي الجيش الكثير ممن هو أكبر منه سناً وقدراً وأكثر منه خبرة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن التنظير دائماً شيء، والممارسة شيء آخر بكل اسف خاصة إذا كان هذا التطبيق سيمسّ الكرسي أو الموقع الذي يتولاه صاحب الحكمة والخبرة.

 

أما مسألة الكوتات للشباب وتشريعها، سواء في المجالس الشورية أو التنفيذية، فأنا من حيث المبدأ لست معها ولا أحبها، وأحب أن يأتي الناس بخيار ديمقراطي شوري طبيعي، ولكنني لا أمانع في المراحل الانتقالية-بل قد يكون ضرورياً أحيانا-أن نشرع الكوتات للشباب وغيرهم من الفئات التي نرى وجودها ضروريا في المجالس الشورية أو القيادة التنفيذية، والغاية من ذلك، أن نثبت للمترددين والمشككين في إمكانيات الشباب، أن لديهم من القدرة والكفاءة والفاعلية ما يؤهلهم للمواقع القيادية المتقدمة، وأن وجودهم لن يشكل مأزقاً للحركة الإسلامية، ولن يوديَ بالجماعة إلى المجهول. ولا يخفى أن تغيير القناعات السائدة، وترسيخ قناعات أخرى يحتاج إلى وقت وتجربة ولا شك، مما يجعل فكرة الكوتات مقبولة كمرحلة انتقالية.

 

وما أود التأكيد عليه هنا أننا نتحدث عن تمكين الشباب من القيادة بكافة مستوياتها بدءً من الصف القيادي الأول إلى القيادات الوسطى وغيرها، سواء كانت قيادات شوريةً أو تنفيذيةً، سياسيةً أو دبلوماسية أو إعلاميةً أو تربويةً أو تنظيميةً أو إداريةً أو غير ذلك. طبعاً مع التأكيد على ضرورة التأهيل والتدريب اللازمين في هذه الأطر. على أنني أتحدث هنا عن التمكين للشباب من الرجال ومن النساء وفق ضوابط الشريعة ومقتضياتها. ولنا مراجعة لاحقة حول دور المرأة في المشروع الإسلامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.