شعار قسم مدونات

التحديات السياسية لرؤية "السعودية 2030"

blogs - saudi 2030

لا يُمكن حصر ما ستؤول إليه التعبئة العامة التي تحصل اليوم في المملكة العربية السعودية لتنفيذ خارطة طريق لرؤية 2030 بنطاق حدود الدولة، إنما ستكون تداعياتها وارتداداتها من الصين شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً.

الاجتماع الذي عقده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأمير الشاب، بالرئيس الأميركي الجديد ترمب، تاريخي حسب ما وصفه مستشار الأمير، أي يُمكن مقارنته بالاجتماع الذي حصل على المدمرة الأميركية "كوينسي" بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 لتركيز دعائم ما عُرِف بالنظام العالمي ثنائي القطب، والعلاقة مع الخليج إحدى الدعائم.

الاتفاق أكد على الدعم الأميركي اللامحدود لأمن المملكة مقابل إمدادات النفط للغرب. أما اجتماع الأمير محمد وترمب فهو لمرحلة جديدة، تجمع الوجه الشبابي الذي استلم القيادة نوعاً ما في السعودية من الجيل القديم، وترمب الذي يمثل المدرسة القومية الأميركية الراديكالية.

من التحديات الكبرى التي ستواجه المملكة، إرهاب إيران التي سترى في استراتيجية الأمير محمد بن سلمان تهديد حقيقي لها ولهيمنتها على المنطقة ولاعتبارها تتطلع لتكون قائدة العالم الإسلامي.

تأتي الزيارة كمحطة أولى بينهما بعد أن أقرّ الأمير محمد مجموعة من الإصلاحات تحت مسمى "رؤية 2030" لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط، بين اجتماع "كوينسي" النفطي واجتماع واشنطن اللا نفطي، هنا ينتقل الحكم في السعودية من جيل أبناء الملك عبد العزيز إلى جيل أحفاده.
 

منذ أن استلم الملك سلمان الحكم من أخيه الملك عبد الله رحمه الله، واجهته تحديات كبرى وورث أخرى، منها خارجية كملفات اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين، وداخلية تتعلق بالملف الاقتصادي. أصبح الأمير محمد بن سلمان هو الرجل القوي في المملكة مع جمعه المناصب من وزير الدفاع الى النائب الثاني لرئيس الوزراء والمستشار الخاص للملك، كما يترأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يشرف على أرامكو السعودية، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم.

طرح الأمير "رؤية 2030" وخارطة طريق لتصبح المملكة تعتمد مستقبلاً على الاستثمارات والطاقات الشبابية والسياحة والاقتصاد اللا نفطي، وتصل إلى اعتبارها العمق العربي والإسلامي ومحور الربط بين القارات الثلاثة.

ما هي التحديات السياسية التي ستواجه المملكة في تنفيذها رؤية 2030؟
لا شك أن الدولة التي تعبر من استراتيجية إلى أخرى ستكون عرضة لتحديات كبيرة. فكيف بدولة بنت نفسها على استراتيجية الاقتصاد النفطي، أغدقت عيش الناس ورفعت مستوى معيشتهم وبنت المدن والطرقات والبنى التحتية المتقدمة، وفتحت أبوابها للعاملين القادمين من الخارج؛ لتنتقل إلى الاعتماد على الاقتصاد اللا نفطي، والذي لا يبشر بالمال الوفير الذي كان متوفر سابقاً؟ من الممكن أن يكون الجناح الديني، إحدى الجناحين الذين بنوا الدولة الجديدة عام 1932، قد تغاضى عن بعض التغيرات التي تلبي احتياجات الحداثة، وكذلك فعلت العامّة المتمسكة بالدين الذي ورثته من مجدده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، مقابل أنهم قد شعروا بالرفاهية والترف في ظل المال النفطي.

فهل سيمثل عدم وفرة المال تراجع من المدرسة الدينية لبعض الإجراءات؟ خاصة في ما يتعلق بمشاركة المرأة في العمل الاجتماعي والسياسي؟
يلخص الفيلسوف هنتغنتون في كتابه الشهير "أنظمة سياسية لمجتمعات متغيرة" أنه "يحدث الانحطاط السياسي حين يتجاوز التحديث الاقتصادي والاجتماعي التطور السياسي، مع تحشيد فئات اجتماعية جديدة تَعَذَّر استيعابها ضمن النظام السياسي القائم". هذا الكلام وكأنه يشير إلى النقلة التي تريد عبورها المملكة، ويحذرها من عدم تناسق التحديث في المجالات الثلاثة على حد سواء: تحديث اقتصادي وقد حصل، وتحديث اجتماعي وقد حصل أيضاً، دون تحديث سياسي! لا بد أن نشير هنا إلى أن التحديث الاجتماعي حصل في السعودية منذ أن بدأت الأعداد الكبيرة من البعثات تخرج إلى الجامعات العالمية، وزحف الشباب من الأرياف إلى المدن أيضاً، وقد قفزت قفزة نوعية بعد أن استخدم الشباب صفحات التواصل الاجتماعية.

هذه جميعها تقع تحت مظلة "التحريك الاجتماعي"، التي تساعد في دفع المطامح والتوقعات التي في حال عدم تحقيقها، قد تشكل صدمة للأفراد والجماعات وتدفع بهم إلى مجال العمل السياسي، والمشكلة أن النظام السياسي في المملكة غير مُخوّل لاستقبالهم ضمن أحزاب منظمة، لأن "الحزب" منظومة مرفوضة بحد ذاتها في المملكة. عندها يكون الحل بالانتقال إلى الملكية الدستورية، وفتح الفضاء السياسي، وهي توصية أميركية سابقة بعد أحداث 11 سبتمبر، ولكنها ليست أولوية الآن عند الرئيس ترامب الذي يرى "الحرب على الإرهاب" أولوية قصوى والحد من النفوذ الإيراني أيضاً.
 

ارتفاع مؤشر البطالة في دول الجوار سيدفع الشباب إلى الالتحاق بالمنظمات غير الرسمية وأحياناً متطرفة، ليخلقوا حالة من عدم الاستقرار الذي سيؤثر على أمن المملكة.

التحدي الآخر وهو اقتصادي له تداعيات على الحياة السياسية داخلياً وخارجياً وهو البطالة. يقول دايفيد ابرنيتي في كتابه "التعليم والسياسة في الدول النامية" أن المملكة المتحدة شرعت في تنفيذ مخطط التصنيع وزيادة الإنتاج أولاً، والتعليم المجاني ثانياً. لا يجوز أن يكون التعليم المجاني في المقام الأول، لأنه يجب أن يكون هناك أعمال كي يتسلمها المتعلمون الجدد. يوافقه هنتغتون ويقول "المثقفون وأنصاف المثقفين، العاطلون عن العمل، قد يشكلون أمداداً للحركات المتطرفة التي تحدث عدم الاستقرار. المتعلمون يتميزون بطموحاتهم العالية، ومشاركتهم ككرة الثلج قد تكون لها تأثيرات كارثية على الاستقرار السياسي".

لا شك أن السوق السعودي يعج بالوظائف، ولكنها مشغولة باليد العاملة الأجنبية؛ وأمام عودة المبتعثين إلى الخارج لتلقي الدراسة مدعومين من الحكومة السعودية، سيكون الحل بالحد من استقبال العمالة الأجنبية، الذي سيؤدي بدوره إلى خلق أو رفع لمؤشر البطالة في دول الجوار التي تعتمد على السوق السعودية لتوظيف شبابها، لا سيما الأردن ولبنان ومصر. وبالتالي ارتفاع مؤشر البطالة في دول الجوار سيدفع الشباب إلى الالتحاق بالمنظمات غير الرسمية وأحياناً متطرفة، ليخلقوا حالة من عدم الاستقرار الذي سيؤثر على أمن المملكة.
 

من التحديات الكبرى التي ستواجه المملكة أيضاً إرهاب إيران، التي سترى في استراتيجية الأمير محمد بن سلمان تهديد حقيقي لها ولهيمنتها على المنطقة ولاعتبارها تتطلع لتكون قائدة العالم الإسلامي، وهو صراع تاريخي بين الدولتين. ستلجأ إيران كالعادة، وعندما ترى التقارب السعودي الأميركي من جديد، والتعنت السعودي بإقناع الإدارة الأميركية بالتراجع عن الاتفاق النووي، وزيارة الملك سلمان إلى الصين واليابان وماليزيا وإندونيسيا وبروناي والمالديف لعقد اتفاقات تجارية ضخمة تؤسس للذهاب إلى رؤية 2030، ستلجأ إلى الاستفزازات ودعم الفصائل الإرهابية التي تبقى تهدد أرض الحجاز ورمزيتها المقدسة، وستقوم بمخاطبة شريحة ليست صغيرة، في السعودية والبحرين واليمن والعراق، لتُحدث حالة عدم استقرار في الخليج.
 

لا يمكن حصر التحديات السياسية في تلك التي ذكرتها في المقال، فرؤية 2030 تُعتبر ثورة حداثية ضخمة تنقل السعودية من أسلوب حياة إلى أخرى، لا يمكن لأي نظام سياسي أن يمر بها دون أن يتعرض لعقبات ومطبات، بل إلى هزّات، المستقبل كفيل في كشفها ومراقبة طرق معالجتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.