شعار قسم مدونات

العقلانية المفرطة بلاهةٌ في عصر الجنون!

blogs - islamophobia - mainstory
هناك إنكار عجيب من بعض أصحاب الرأي والكتاب العرب لحالة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، مع إصرار عجيب على وضع كل الأحداث والمجريات في إطار سياسي ومصلحي بحت بعيدًا عن الدين أو العاطفة الدينية، رغم أن الأمرين لا ينفكان عن بعضهما في الكثير من الأحيان لكن لا يمكن إغفال أحدهما.
 

بات واضحًا أن الدعاية الانتخابية لمرشحي اليمين المتطرف وغيرهم في الغرب تعتمد على الشعارات المعادية للإسلام والمسلمين على وجه التحديد وعلى الأجانب عمومًا، وهذا لا ينكره كل ذي لُب.
اليمين المتطرف يصعد وبسرعة كبيرة في الغرب وشكل أوروبا الديمقراطي ومستقبل اتحادها أيضًا مشكوك في أمره، والمفكرون الغربيون يتشككون في ذلك بشكلٍ واسع ومنهم ريتشارد كوك و كريس سميث.

يجب أن لا نخدع أنفسنا أو نخادع الناس بالقول إن الجميع يتمنون لنا الخير أو يتقبلون غيرهم في ظل صعود طبقات سياسية متشددة وعنصرية.

بينما الكتاب والمدونون العرب لازالوا مطمئنين لأوروبا ومستقبلها وديمقراطيتها رغم هذه التحولات، ويصرون على الحديث حصرًا عن وجه أوروبا المشرق والجميل والذي يستوعب الجميع، عمومًا نحن لا نتمنى أن تتحول أوروبا إلى قارة عنصرية لكن ليس من الجيد أن نكتب أمنياتنا على شكل تحليلات بينما الواقع يتحدث عن خلافها.

وقبل أيام قليلة لفتت انتباهي مقابلة لقناة الجزيرة مباشر مع الداعية الهولندي "نور الدين ولدمان" الذي أبدى تخوفه من تصاعد الكراهية ضد المسلمين في بلاده وأنه لم يعد يرى بلاده بذلك المناخ السابق وأنه حزين على ما يجري فيها من انتشار للكراهية والعنصرية تجاه المسلمين، وقال أيضًا إنه إذا ما استمر ذلك وازداد أكثر فقد يضطر إلى الرحيل عن بلاده التي يحبها حتى يحافظ على دينه وتمسك عائلته بتعاليم الدين كالحجاب وما شابه.

لاشك أن خوفه هذا له مبررات ونابع من المتغيرات والتحولات التي يراها على أرض الواقع، لكن دعونا لا نبالغ فإن كان الغرب يعاني اليوم من ازدياد مساحات التصحر في القيم السامية أو الأخلاق الجيدة ذات الطابع الحضاري إلا أنه لازال يحافظ على شكلٍ منها ولازالت هناك الكثير من القيم الجميلة لكن يغلب عليها الطابع الفردي.
 

يجب أن لا نخدع أنفسنا أو نخادع الناس بالقول أن الجميع يتمنون لنا الخير أو يتقبلون غيرهم في ظل صعود طبقات سياسية متشددة وعنصرية، وكذلك سريان الأمر كروح داخل المجتمعات والمؤسسات الغربية، ويدل على ذلك قانون محكمة العدل الأوروبية الذي يجيز لأصحاب العمل منع الرموز الدينية ومنع ارتداء الحجاب والبعض يقول قد يشمل منع الصلاة، وسعي نواب في البرلمان الدنماركي لمنع الصلاة في المدارس والجامعات، وهذه أمور لا أدري ما تفسيرها لدى هؤلاء المنكرين لظاهرة "الإسلاموفوبيا".

غير أنني لا أستبعد عليهم أن يجدوا تفسيرًا أو تبريرًا؛ فقد رأيت من يبرر للاحتلال منعه الأذان في القدس والداخل المحتل، وقد وضعها في سياق قانوني أو في سياق التنافس بين الأحزاب "الإسرائيلية" وكأنها غير مرتبطة بنزعة كراهية صهيونية ضد الإسلام والمسلمين ووجودهم على أرض فلسطين.

إن كان هناك مجموعة من السياسيين يتعاملون مع دينهم كسلعة أو ورقة انتخابية، فإنه ينبغي علينا أن نتعامل نحن مع ديننا كعقيدة نرفض المساس بها.

لا يصح تخدير الناس بشكل مباشر أو غير مباشر بينما يسفر العالم لنا عن وجهه القبيح، فقد أصبح التشدد ضد الإسلام والمسلمين ورقة انتخابية رابحة جربها ترمب ونجحت والآن كثيرون يفكرون بالسير على خطاه في الغرب، وهنا نحن أمام ما هو أكثر من ورقة انتخابية بل حالة عداء حقيقية لدرجة أن المجتمع يقبلها ويؤسس عليها أنظمة حكم وبرامج سياسية.

قد لا يكون التغير تجاه معاداة المسلمين سريعًا أو حادًا بالبداية إذا ما وصل المتطرفون إلى الحكم لكن هذا لا ينفي وجود العداوة؛ فقد بنيت الحملات الانتخابية عليها، بل نحن أمام مرحلة عداوة غير مسبوقة لا ندري متى تصل ذروتها لكنهم متحفزون لها وقد يختلقون مبررات من أجل أن تقترب من ذروتها بشكل أسرع، وقد يلجؤون إلى الاستفراد بنا دولًا تلو الأخرى وجماعات تلو جماعات كما يفعل ترمب بحظره دخول مواطني بعض الدول دون الأخرى، وهكذا يستمرون بالتلاعب بنا ويستمر ساستنا في الهوان.

وإن كان هناك مجموعة من السياسيين يتعاملون مع دينهم كسلعة أو ورقة انتخابية، فإنه ينبغي علينا أن نتعامل نحن مع ديننا كعقيدة نرفض المساس بها، وما يتعرض له المسلمون كتهديد لإخواننا لا كأطروحة أو مناورة سياسية وإلا تغيب حرارة الانتماء لهذا الدين وتضعف حماسة النصرة وروابط الأخوة بين المسلمين، وتضيع هيبتنا بين الأمم وإن كانت ضائعةً بالفعل وإلا لما تجرؤوا علينا إلى هذا الحد.

أم أنهم يريدون إعفاء أنفسهم من الانخراط في الصراع بتهوينه وتقليل قيمته وكأنه شأن سياسي بحت يتم تداوله في الغرف وعلى الطاولات، رغم أن الواقع يقول لنا بأن الشعوب هي من تكتوي وتتشرد وتعذب نتيجة موجات الكراهية والعنصرية هذه.

وبدل إنكارها أو التقليل من قيمتها يجب أن نقف عندها وندرسها ونبحث في أسباب تكونها وانتشارها ونعمل على تحجيمها والرد عليها حتى لا نصحو يومًا ونجدها تلتهم وجودنا وكرامتنا كمسلمين في غالبية أنحاء المعمورة ولا ينفعنا حينها الإنكار ولا الهرب فصمتنا وضعفنا وتشتتنا سيغريهم للتمادي، ولا أدري قد يكون من الإيجابي أو من الضروري أن يتخلى بعض المسلمين عن عقلانيتهم المفرطة في عصر الجنون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.