شعار قسم مدونات

أن تكون ريم بنّا

blogs - ريم البنا
لو فكرنا معا عن أقوى المعارك التي يمكن للإنسان أن يخوضها، ربما سيجيبنا البعض بأنها معركة الإنسان مع المرض، وإن كانت فعلًا هذه هي المعركة الأصعب، فلا بد وأن نذكر هذا المرض اللعين، السرطان. لكن الحق يُقال إن المعركة الأكثر صعوبة من المرض، هي معركة الإنسان مع ذاته، وكيف يمكن له أن يقاوم كل ما يحدث معه، كيف يصنع لنفسه الفرحة وسط المعاناة، الأمل وسط اليأس، والحياة وسط المرض.

ريم بنّا فنانة فلسطينية وناشطة من أجل الحرية، تؤمن بحق بلدها في الاستقلال عن عدو مغتصب لأرضها، تنتظر كل لحظة ممكنة؛ محاولةً استغلالها للتغلب على هذا العدو. تحارب، بالغناء والكلمة، تحارب بالأمل. لعلك تسأل الآن عن الرابط بين هذه المقدمة وبين ريم بنّا، والسطور القادمة تجيب عن هذا التساؤل.

في عام 2009 تعرضت ريم بنّا للإصابة بسرطان الثدي، ثم عاد المرض ليصيبها مرة أخرى في عام 2015، لتصرح ريم بأنها متمسكة بحياتها وعلى استعداد لتواجه المرض من جديد. والهزيمة في الحروب نفسيّة في المقام الأول، اعتقاد الشخص أنه يمكن له أن ينتصر، قد يكون هو وقوده الفعلي لتحقيق الانتصار، وينطبق الأمر ذاته على الهزيمة.

ما تفعله ريم بنّا، أنها قررت أنها لن تموت قبل أن تحاول أن تحيا، وأنا أصدق تمامًا أن احتمال تتويج مسعاها بغير الهزيمة، هو احتمال أقرب لأن يحدث في الواقع، الآن أو قريبًا أو حتى في المستقبل، لكنه سيحدث ما دام سعيها دائم لا يتوقف.

يقول الله عز وجل في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ". الصبر يأتي من اليقين بالقدرة على تحقيق النصر، على الرغم من قلة العدد والإمكانات، وهو ما يمكنني أن أنسبه إلى القناعة الداخلية، وأن الانتصار في الحرب مع النفس، يكفل لك الانتصار على العدو.

في مطلع العام الماضي 2016، كتبت ريم بنّا على صفحتها أنها تعاني من مشكلة مرضية يعجز الأطباء عن الوصول إلى سببها، وأن صوتها توقف عن الغناء، ربما للأبد. وفي جزء من المنشور الذي كتبته كانت كلماتها كالتالي: "لا أعرف ماذا سأفعل في الفترة القادمة.. وكيف سأكمل رسالتي بعد فقدان سلاحي ومهنتي التي أملك.. وأيضًا مصدر رزقي الوحيد.. ما أعرفه جيدًا.. هو أنني سأظل أقاوم وأجتهد لتحسين صوتي.. هذا طبعا يحتاج وقتًا.. سأضطر أن أغير كل أسلوبي الغنائي ربما.. لأن صوتي أصلًا سيتغير.. ولا أعرف إن كنت سأنجح.. وكيف سيكون مسمعه.. لكنني سأستمر.. كفنانة.. وناشطة من أجل الحرية".

لم تتوقف معركة ريم عند هذا الحد، بل استمرت وحاربت وجاهدت، لأنها تؤمن بحق بلادها في الاستقلال، تؤمن أن ما يريده أعداؤها أن تسكت للأبد، لا أتحدث عن صوتها، لكنني أتحدث عن روحها. يريدون أن تفقد الأمل والسعيّ لمحاربتهم، وهي لم ولن تفعل ذلك… تلقَّت المرض بصدرٍ رحب، وتعاملت معه وكأنه لا يصنف كمعاناةٍ بشريةٍ أبدًا، وكأنه ليس بعدوٍ لها، بل هو صديق، أما العدو الحقيقي فهو من يغتصب أرضها، وهو من يستحق أن يُحارب.

الراحلة رضوى عاشور، قالت يوما ما: "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا".. ربما هذا ما تفعله ريم بنّا، قررت أنها لن تموت قبل أن تحاول أن تحيا، وأنا أصدق تمامًا أن احتمال تتويج مسعاها بغير الهزيمة، هو احتمال أقرب لأن يحدث في الواقع، الآن أو قريبًا أو حتى في المستقبل، لكنه سيحدث ما دام سعيها دائم لا يتوقف. أن تكون ريم بنّا، صدقني الأمر يستحق تمامًا، فهي رمز حقيقيّ من واقعنا للأمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.