شعار قسم مدونات

"العمى" عمى القلب

مدونات، العمى

العمى عمى القلب
تلك العبارة التي كان جدي يرددها في كل مرة كنت فيها أغفل عن أمر مهم أو أتصرف بطريقة تدل عن قلة خبرة او قلة وعي، وصارت هذه الكلمة تتردد في ذهني مرارا، وكأن جدي قام بحفرها على ذبذبات دماغي وبت أرددها في لحظة وقوع الكأس ولحظة فوران القهوة ولحظة ضرب كتفي لشخص بدون قصد ، ولكن وبعد ثلاثين سنة من هذه الكلمة اكتشفت معناها بالصدفة البحتة.

عندما رأيت تلك الفتاة التي لا ترى بعينها ولكنها حاضرة الذهن مشعة الذكاء بقلبها كيف كانت ترد الإجابة في الإمتحان. وذلك الشاب الذي قام بتلاوة القرآن غيباً بحين عجزت عنه اصحاء العيون وعجزوا عن تلاوته وتدبيره. صورة لشاب في مثل عمري قام باختراع تلك الأجهزة، والطالبة الجامعية التي قهرت عجزها وجعلتنا نتعلم من أن فعلا العمى عمى القلب وليس عمى العيون وأن مشكلتنا ليس ما ننظر إليه بمرآة عيوننا، ولكن ما نراه بمرآة قلوبنا فالإنسان لا يقدر بمقدار ما يفعله إذا كان فارغاً من الإنسان الذي يخبر الدنيا والعالم بأنه موجود، وبأن الله قد عوض عنه قلباً مستنيراً ومبصراً أكثر بكثير من الأشخاص المبصرين.

العيب فيمن رأى من والده البنك المركزي ومن والدته المطعم المتنقل ومن زوجته كل هذا ويبقى بعد ذلك جاحدا لكل ما يقدم له

هذا الطالب الذي سلب الله منه نعمة النظر، يذهب ويثابر ويدرس لتفتح لعقله. ملكات من التحدي بيمنا يجلس آخر يتشدق ويتحدث عن البطالة وكيف يريد أن يصبح في يوم من الأيام عاطل عن العمل وبكل فخر. إنهم فعلا لا يصنفون كذوي الاحتياجات الخاصة ولا أشخاص معوقين لأن الأعاقة الفكرية هي أهم بكثير من شخص ولد بلا نظر وليس بدون عقل. وإن كان عجزه بعدم رؤيته لطريق أو شارع أو لون ولكنه يرى الحب والحياة والأمل ويصر عليه الحياة بحاجة لتكريم أشخاص التميز، ودعمهم لأننا للأسف من هم ذوي الاحتياجات الخاصة بتفكيرنا المقتصر على الأنا والكره والحقد والدمار بفكرنا المتشدد لأفكار غبية لا تسمن ولا تغن من جوع.

لتعنتنا لرأي ولجحودنا لكل النعم التي انعمها الله علينا لأصحاب الفخامة والتميز، هم هؤلاء لأن التميز بالأمل وهؤلاء هم صناع الامل، ولأن المثقف العربي يترفع عن الكتابة عن مثل تلك الحالات لأنها لا تتلاءم ومايتطلبه السوق وهو لن يرغب في أن يرى الواقع فسيبقى يعيش في عالمه لاعنا العمر والحياة التي سلبتمن هذا الشخص أو ذاك نعمة فقدان البصر ونعمة عدم الرؤية.

ويبدأ بالبحث عن المسمى المناسب فتارة يغيرونه لأصحاب الإعاقة وتارة أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة، لتصبح مسمياتهم تشبههم ولا تشبه اصحاب الإمتياز والتميز فالإتفاق الذي يرسمه الأخرون على أوراقهم المبعثرة لا يراه هذا الشخص أو ذاك بعينه ولكن يراه بتصرفاتك وكلامك. العيب ليس في زماننا ولكن العيب في عيون رأت الحياة بكل مبهجتاها ومشت بطريق لا ينتمي إلى دين ولا إلى مذهب ولا إلى أخلاق.

العيب فيمن رأى من والده البنك المركزي ومن والدته المطعم المتنقل ومن زوجته كل هذا ويبقى بعد ذلك جاحدا لكل ما يقدم له. العيب في إناس رأو من الحياة أجملها وظلوا محبطين تائهين مشردين، العيب ليس في الزمن العيب في الأشخاص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.