شعار قسم مدونات

يَا أَطْهَرَ النّاسِ.. إلى أبي

blogs - أب كبير

يا أطهرَ النّاسِ لا ذنبٌ فَنُتَّهَمُ

 

وليسَ يحكُمنا طاغٍ فَنَحتَكِمُ
 

دَعِ النّوازِلَ تَنْزِلْ ساحَنا فلقدْ

 

يَزِيدُنا الهولُ بأسًا حينَ يَحتَدِمُ
 

إنّا أَلِفْنا سُجونَ الظّالِمينَ فَلا

 

سِجْنٌ دَخَلْناهُ إلاّ راحَ يَبْتَسِمُ
 

وَللزّنازِينِ تَرحيبٌ بِمَقْدَمِنا

 

وَلِلقُيودِ رَنينٌ وَقْعُهُ نَغَمُ
 

يَظُنّنا صَنَمٌ أنّا سَنَرْهَبُهُ

 

وليسَ يُدرِكُ كَمْ يُستَحقَرُ الصّنَمُ
 

 

***********

 

واللهِ يا أبتي لَوْ عَبَّؤُوا دَمَنا

 

في كأسِهمْ لَرَضِينا أنْ يَسيلَ دَمُ
 

واللهِ لو مَزّقونا في الوَرَى قِطَعًا

 

وَبَعْثَرُونا فَغَصَّ القاعُ والأَكَمُ
 

لَمَا عَتِبْنا على شَعْبٍ يُسيّرُهُ

 

طُغاتُهُ وعلى أنفاسِهِ جَثَمُوا
 

لَكِنّنا يا أبي نأسى على أُمَمٍ

 

تُساقُ مَذبُوحةً مِنْ خَلْفِها أُمَمُ
 

إنّا قَطِيعٌ مِنَ الأغنامِ يَحكُمُها

 

ذِئبٌ، وَتُرْغَمُ أَنْ تَرضى بِهِ الغَنَمُ
 

عَصْرُ اليهودِ، وعصرُ الصَّهيناتِ وَهَلْ

 

حُكّامُنا اليَومَ إِلاّ عِندَهُم خَدَمُ
 

يُنَكِّلونَ كَما شاؤوا بِأُمَّتِهِمْ

 

بِاسْمِ السَّلامِ فَلا وَاللهِ لا سَلِمُوا
 

لَوْ أَوْرَدُونا حِياضَ المَوْتِ أَجمَعَنَا

 

لَكانَ أَهْوَنَ مِنْ أنْ تُشتَرى الذِّمَمُ
 

إنّا حَمِيْرٌ بِتَلْمُودِ اليهودِ، وَهَلْ

 

رأيتَ يومًا حميرَ الحَيِّ تُحتَرَمُ؟!!
 

دَعِ الحَميرَ فلولا أنّنا بَشَرٌ

 

(مُسْتَظْرَطُونَ) لَمَا دِيسَتْ لَنَا حُرَمُ
 

فَإِنْ تَرَ الشّعبَ تُدْرِكْ أنّهُ خَشَبٌ

 

مُسَوِّسٌ، وَعَلى أنقاضِهِ رِمَمُ
 

مُنافِقُونَ، ودجّالُونَ ليسَ بِنا

 

مِنْ عَيْبَةٍ غيرَ أنّا كُلّنا بُكُمُ
 

نَخافُ مِنْ ظِلِّنا إِنْ كانَ يَتْبَعُنا

 

وَظِلُّنا الفَقْرُ والتّجوِيعُ والسَّقَمُ
 

نَمشِي مَعَ (الحِيْطِ) مَذعُورينَ دَعْوَتُنا:

 

يا رَبُّ سِترَكَ … وَالصَّفْعَاتُ تَلْتَطِمُ
 

لا يَصْفَعُ الكَفُّ أَرْماحًا مُشرَّعَةً

 

(فَحُطّ رَأسَكَ بينَ الرُّوسِ يا زَلَمُ)
 

إِنّي لأَعْجَبُ مِنَّا ألفُ عاصِفَةٍ

 

تَدُوسُنا، وحُقوقُ النّاسِ تُهتَضَمُ
 

فَلا نُبالِي وَنرضَى في مُصِيبَتِنا

 

بِذلّةٍ في جَبِينِ القَلْبِ تَرْتَسِمُ
 

 

***********

 

مُصِيبَةُ الشّعبِ ما تنفكُّ واحدةٌ

 

أنَّ الحُكوماتِ في أوطانِنا لَمَمُ
 

بِشِلَّةٍ أكبرُ (الشُّطّارِ) يَرأسُها

 

مُهرِّجٌ فَطْحَلٌ مُستعبِطٌ فَهِمُ
 

وَخَلفهُ وُزراءٌ مِنْ حَظِيرتِهِ

 

لَهُمْ كُروشٌ بِلا حَمْلٍ فَهُمْ عُقُمُ
 

يُحارِبونَ فَسادًا هُمْ دِعامَتُهُ

 

وَقَبْلَهُ حَلَبُوا الأُردنَّ واقتَسَمُوا
 

السَّارِقُونَ بِقانُونٍ وَأكثَرُهُمْ

 

عَلَى حِسابِ رَغِيفِ الشَّعْبِ قَدْ تُخِمُوا
 

وَالنَّاهِشُونَ ثَرَاهُ المَالِئونَ بِهِ

 

بُطونَهم، وَرمًا يَنْمُو بِهِ وَرَمُ
 

يُجَعْجِعُونَ بِلا طِحْنٍ سِوَى وَسَخٍ

 

عَليهِ رُبُّوا وَفِي أَحْضانِهِ هَرِمُوا
 

فَيَا أَسَاكَ وَيَا بَلْواكَ يا وَطَنِي

 

يا مَنْ سَتُفْنِيهِ حَتَّى مَوْتِهِ الغُمَمُ
 

لَسَوْفَ تُذبَحُ والسّكّينُ مُلتَمِعٌ

 

في كَفِّ مَنْ أَقْسَمُوا أَنْ تُفتَدى بِهِمُ
 

لَكِنَّهُمْ قَبَضُوا أَضْعافَ مَا دَفَعُوا

 

وَقَسَّمُوكَ، وَهُمْ في أَصْلِهِمْ قِسَمُ
 

تَفَقَّدُونا بِلَيْلٍ بارِدٍ فَبَكَتْ

 

عُيونُهُمْ بِدَمٍ، مِنْ بَعْدِ مَا عَلِمُوا:
 

أَنّا عَلَى الرِّيحِ مَنثُورونَ يَبْلَعُنا

 

بَحْرٌ مِنَ الظُّلمِ، وَالأحقادُ والنِّقَمُ
 

فَمَنْ رأى الحالَ لا يَرْضَى بِهِ أبدًا

 

ولا الأَصالَةُ تَرضاهُ ولا الشِّيَمُ
 

فَوَلْوَلُوا حَزَنًا أنّا رَعِيَّتُهُمْ

 

وَصاحَ مُؤْتَمَنٌ فيهم ومُعتَصِمُ:
 

هل شعبُنا هكذا؟ وَيلاهُ كيفَ هَوَتْ

 

حُقوقُهُ؟ أَوَما مَتَّتْ بِهِ رَحِمُ؟
 

فَأَمْطَرُونا خِطابَاتٍ مُنفَّخَةً

 

مِنْ نَارِها جَوْفُ هذا الشَّعبِ يَضطَرِمُ
 

وواعَدُونا فَسَاقَتْنا بِمَا وَسِعَتْ

 

إِلى السُّجونِ كِلابٌ بُخلُها كَرَمُ
 

إنّي لأكتبُ أبياتي وَبِي وَجَلٌُ

 

أنّ الكِلابَ بِبابِ البَيْتِ تَزدَحِمُ
 

فأيَّ عَصْرٍ إذًا نحيا؟ وهلْ وَطَنٌ

 

هذا الّذي مِثْلَنا يحتلّهُ العَجَمُ؟
 

عصرُ الخِياناتِ هذا العَصْرِ يا أبتي

 

فكيفَ نَعجَبُ إِنْ كانوا اليَهُودَ هُمُ؟
 

سَبعونَ عامًا بِلادُ العُرْبِ يَغْصِبُها

 

أبناءُ مَنْ حَكَموا فيها وَمَنْ رَسَمُوا
 

لَهُمْ يَدٌ مِنْ حَديدٍ فوقَ رَقبَتِنا

 

وَمِنْ حَرِيرٍ إِذا مُدّتْ لِمَنْ ظَلَمُوا
 

هُمْ بخّسُونا وباعُونا بِلا ثَمَنٍ

 

وَمَزَّقُوا صَفّنا في التّيهِ وَانْهَزَمُوا
 

بَنَوْا لنا ألفَ سِجنٍ، بَينَها وَطَنٌ

 

حُدودُهُ سُورُ سِجنٍ لَيْسَ يَنْهَدِمُ
 

فَكُلُّ فَردٍ غَريبٌ فوقَ مَوطِنِهِ

 

وَهْوَ الّذي بِذُنوبِ الغَيْرِ مُتّهمُ
 

لا تَسألِ الشّعبَ يومًا عَنْ كَرامَتِهِ

 

فَالشّعبُ في وَطَنٍ – مُستَورَدٍ – عَدَمُ
 

شَعبٌ تُعَدِّدُهُ البَلْوَى وَلَيْسَ لَهُ

 

فِيما يُعَدَّدُ إِلاَّ أنّهُ رَقَمُ
 

 

***********

 

وَاللهِ يا أبتي: يا ضَوْءَ مُقلَتِنا

 

ويا شَرايينَ رُوحِي وَهْيَ تَلْتَحِمُ
 

إذا وَقَفْتُ ولمْ تَشفَعْ بِقَافِيَةٍ

 

مَشاعِري، فَبِماذا تُدْرَكُ القِمَمُ؟
 

ماذا أقولُ؟ يَموتُ الشِّعرُ مِنْ رَهَبٍ

 

أَلاّ يُدانِيكَ، حتّى يُبهَتَ القَلَمُ
 

إنّي أُحِبُّكَ لو تَدرِي بِهِ دِيَمٌ

 

لَسَوْفَ تَنهلُّ في تَسْكابِها الدِّيَمُ
 

دَعْنِي أَبُحْ بِسِنينِ العُمرِ مِنْ وَجَعِي

 

فَقَدْ تَولّى حَديثَ المُهجَةِ الألَمُ
 

قَدْ صار يَنْكَا جِراحِي أنّها وَطنِي

 

وَصار يَقتُلُني أنّي لَهُنّ فَمُ
 

بِلادُ مَنْ يا أبي تلك التي مَلأتْ

 

جَوانِحي حَسْرةً واجْتاحني النَّدَمُ؟
 

تلك الّتي فوقَها تَزدادُ غُربَتُنا

 

وَفِي هَواها تَظَلُّ الرُّوحُ تَنْحَطِمُ
 

بِلادُنا؟ أمْ بلادٌ ليسَ تَعرِفُنا؟

 

وَقَوْمُنا، أَمْ يَهودٌ في العُروقِ نَمُوا
 

إِنّي أرى في مَنامِي كيفَ تَذبَحُني

 

ويا أَبِي مَرّةً قد يَصْدُقُ الحُلُمُ
 

فَإنْ يَجِئْ صادِقًا يومًا فوا أَسَفَى

 

فإنّما قَتلُونا مَنْ نُحِبُّهُمُ
 

فلا وَربِّكَ لا شَكوى ولا عَتَبٌ

 

ولا خِصامٌ، ولا ضِيقٌ، ولا سَأَمُ
 

لَكِنّهُ الحُبُّ يتلوهُ الرِّضى وَعَسَى

 

يومًا إِذا مَا قَضَيْنا يَصْدُقُ القَسَمُ
 

 

***********

 

واللهِ يا أبتي يا مَنْ بِجَبْهَتِهِ

 

نورٌ لَهُ تَنْحَنِي الأقمارُ وَالنُّجُمُ
 

إِنّي كَتَمْتُكَ حُبِّي غيرَ أنَّ دَمِي

 

يَغتالُني وَعُروقِي فِيَّ تَضْطَرِمُ
 

يا أيُّها الرّجلُ المَرهُوبُ جَانِبُهُ

 

لو كانَ غَيْرَكَ لَمْ تَحفِلْ بِهِ الطُّغَمُ
 

لكنّها الأُسْدُ تُخشَى وَهْيَ صامِتَةٌ

 

فَكيفَ لَوْ زَأَرَتْ فالهَوْلُ وَالضَّرَمُ
 

إنّي وَجدْتُكَ مِثْلَ الرّاسياتِ وَقَدْ

 

مَرَّتْ بِهِ نَسمَةٌ، مَا يَصْنَعُ النّسَمُ؟
 

عَوّدْتَنِي جُرأةً في الحقِّ ما عَرَفَتْ

 

خَوفًا، وَهَلْ كَلِماتُ الحَقّ تُكتَتَمُ ؟
 

فَمِنْ مَضائِكَ قدْ هبّتْ عزائِمُنا

 

وَمِنْ شَبابِكَ قَدْ شبّتْ بِنَا الهِمَمُ
 

حفّظْتَنِي الذِّكْرَ والأشعارَ في صِغَرِي

 

حتّى غَدَتْ أُذُنِي بِالشِّعْرِ تَنْسَجِمُ
 

وَطَهَّرَ الذِّكْرُ أعْماقِي وَرَقَّقَها

 

فَكُلَّما تُلِيَ القُرآنُ تَلْتَئِمُ
 

ويا مُعَلِّمَنَا صَبْرًا فَقَدْ نَزَلَتْ

 

(لَتُبْلَوُنّ) وَفِيها الفَصْلُ وَالحَكَمُ
 

فَإِنْ سُجِنْتَ بِظُلْمٍ في مَعَاقِلِهِمْ

 

فَاللهُ يُجزِئُ بِالحُسنَى وَيَخْتَتِمُ
  

لا يَبْزُغُ الفَجْرُ إِلاّ بَعْدَ حالِكَةٍ

 

وإنّكَ الفَجْرُ تَخْشَى نُورَهُ الظُّلَمُ
 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.