شعار قسم مدونات

الحقد الأوروبي الدفين على تركيا

مدونات أردوغان

وصل التوتر بين تركيا وبعض الدول الأوروبية إلى ذروته في الأيام القليلة الماضية، بعد قيام كلا من ألمانيا وهولندا بمنع وزراء في الحكومة التركية من الدخول إلى أراضيها، لدعوة الجاليات التركية لموافقة على التعديلات الدستورية التي ستحول النظام البرلماني إلى نظام رئاسي في استفتاء شعبي، يقام في شهر أبريل من العام الحالي.
 

وترى الكثير من الدول الأوروبية، بأن النظام الرئاسي سيمنح أردوغان سلطات مطلقة، وصلاحيات واسعة تساعده في إحكام قبضته على الدولة التركية بشكل كامل، وهو ما يهدد المصالح الأوروبية في تركيا ومنطقة الشرق الأوسط، فتركيا لم تعد كما كانت قبل تولي حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم عام 2002، بل أصبحت قوة إقليمية لها دور فعال، وتأثير قوي في المنطقة، والدول الأوروبية لا تستطيع تنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط دون مساعدة تركيا، التي تعتبر حليفاً استراتيجياً لمن يريد أن يكون له دور فعال في الشرق الأوسط.

وتركيا اليوم أصبحت لها القدرة على تعطيل المصالح الأوروبية في المنطقة، مما دفع الكثير من الدول الأوروبية إلى أخذ موقف العداء من تركيا، ومن الرئيس التركي أردوغان بشكل خاص، فأوروبا تعتبر أردوغان سلطان عثماني، يسعى إلى إعادة أمجاد الدولة العثمانية، التي أذاقت أوروبا ويلات الهزائم المتكررة، وسيطرت على أجزاء واسعة من أوروبا.

والعداء التي تكنه أوروبا لتركيا ليس وليد اليوم، بل هو حقد قديم، يرجع إلى قيام الدولة العثمانية، بإسقاط القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وتحويلها إلى عاصمة للخلافة الإسلامية على يد السلطان محمد الفاتح، الذي دقت أجراس الكنائس لمدة ثلاثة أيام فرحاً بخبر وفاته، وأصبحت إسطنبول مركزاً للعالم الإسلامي، وحاملة للواء المسلمين قرابة الخمسة قرون، ولم يغب عن ذهنه الدول الأوروبية في أي لحظة من لحظاتها، ما فعلت الدولة العثمانية بها، وسيطرتها على الكثير من العواصم الأوروبية، ووصلها إلى حصار فيننا أقوى العواصم الأوروبية في ذلك الوقت، وكانت على وشك السقوط على يد السلطان سليمان القانوني لتصبح إحدى الويلات العثمانية.

ولقد سعت أوروبا بشتى الطرق من أجل القضاء على الدولة العثمانية، وتفكيكها، واستطاعت النجاح في ذلك بعد خمسة قرون من قيام الدولة العثمانية، التي بقيت تدافع عن الإسلام، وتحافظ على وحدة العالم الإسلامي ضد الأطماع الأوروبية الاستعمارية، وبقيت طوال الخمسة قرون سداً منيعاً في وجه كل المؤامرات، التي حيكت ضد الأمة الإسلامية، قبل أن ينهش جسدها الضعف، وتتحول من دولة القوية إلى دولة ضعيفة لقبها الأوروبيين "بالرجل المريض"، وأصبحت الدول الأوروبية تقطع في أوصال العالم الإسلامي، حتى استطاعت إسقاط الخلافة العثمانية، وتحويل العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة تحارب بعضها البعض، من أجل حدود وهمية خلقها الاستعمار لبث الفرقة والنزاع بين المسلمين.
 

تعرض التاريخ الإسلامي بشكل عام للتشويه من قبل المستشرقين الأوروبيين، وحلفائهم من المستشرقين العرب، ولكن تاريخ الدولة العثمانية كان الأكثر عرضة لهذا التشويه والتحريف في التاريخ، جراء الحقد الأوروبي الدفين

لقد وقع الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية في الفخ الأوروبي، الذي تم وضعه من أجل التخلص من الدولة العثمانية، بإثارة النعرات الطائفية، والدعوات القومية التي لا هدف لها إلا تفتيت العالم الإسلامي، وإضعاف قدرته على مقاومة الاستعمار الأوروبي، وجعل العالم الإسلامي يبتعد عن سبب عزته وهو الإسلام، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" وليس ترك الإسلام فقط، بل التقليد الأعمى للحضارة الغربية دون تفكير في أخذ ما ينفعنا ويتوافق مع شرعنا، وترك ما يخالف ديننا الحنيف.

تعرض التاريخ الإسلامي بشكل عام للتشويه من قبل المستشرقين الأوروبيين، وحلفائهم من المستشرقين العرب، ولكن تاريخ الدولة العثمانية كان الأكثر عرضة لهذا التشويه والتحريف في التاريخ، جراء الحقد الأوروبي الدفين على الدولة العثمانية، وما فعلته في أوروبا وإسقاطها للدولة البيزنطية، وعاصمتها القسطنطينية التي بقيت عصية على الفتح الإسلامي لثمانية قرون. 

نعم أوروبا لم ولن تسامح الأتراك على ما فعله أجدادهم العثمانيين في أوروبا، وأن حاولت أوروبا إظهار غير ذلك، وبالرغم من التحول الكبير الذي طرأ على تركيا عقب إسقاط الخلافة العثمانية، وتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وجعل تركيا تسيير على نمط الحضارة الغربية في عدائها الشديد مع الإسلام، إلا أن الدول الأوروبية رفضت مراراً وتكراراً انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لأنهم وباختصار شديد أحفاد العثمانيين الذين أذاقوا أوروبا الهزائم الكبيرة، فيا ليت أمتنا تدرك أن العداوة الأوروبية لن تنتهي أبدا وإن حاولوا أن يخدعونا بشعاراتهم البراقة، وصدق الله تعالى حين قال في كتابه العزيز " وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.