شعار قسم مدونات

طبائع الإنسان في القرآن

blogs - قرآن
أعرض في هذه التدوينة بعضًا من طبائع الإنسان وصفاته في القرآن الكريم، وبدايةً يجب أن نعلمَ أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ مسؤوليّة فردية كاملة: – دون أن تغيبَ المسؤوليات والواجبات الاجتماعيية بين المسلمين -، فالإنسان مُكلَّفٌ، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب : 72) وقال(وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) (الإسراء :13).

فنفهم من هذه الآيات أنَّ الإنسان مسؤولٌ مسؤوليَّةً كاملةً عن أعماله، ولا أحدَ سيُحاسَبُ عنه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، فإنَّ من طبعِ الإنسان إلقاءُ اللوم على غيره، فهذا هو الإنسان يصرخُ محمِّلًا الشيطانَ المسؤوليةَ قال تعالى (لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) (الفرقان :29)، أو يحاول أن يلقي المسؤوليةَ على من هم أقوى منه، على من يستغلُّهُ، قال تعالى (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) (البقرة ) فإذا علمنا أنّه ليس للإنسان إلى ما سعى، فإننا نعلم أنَّه ليس له ما تمنَّى ورغب به فقط دون عمل: (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى)؟ (النجم : 24)

الضَّعفُ:
قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)(النساء :28) وقال جل جلاله (والعصر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) )(العصر) ومن فهمنا لبقيّة آيات القرآن نتبيَّنُ أنَّ ضعفَ الإنسان عامٌّ، ويشملُ الطبائعَ الخَلْقيّةَ، فإنَّ الإنسان يولدُ ضعيفًا صغيرًا باكيًّا، لا يستطيعُ أن يؤمِّن قوتَ يومِه، لكنّ عودَه يشتدُّ حين يكبُر، ثمَّ يُرَدُّ إلى ضعفِه في أرذل العُمُر، ويشمَلُ الطبائع الخُلُقيّة، فالإنسان ضعيفٌ أمامَ الشهواتِ والمُغرِياتِ فهذا نبيّ الله آدمُ وزوجتُه أكلا من الشجرةِ التي نهاهُما عنها اللهُ، مع أنَّه كان في الجنَّةِ، لكنَّ نفسَه ضَعفَت أمام وساوس الشيطان، فإذا عَلِم المرءُ أنَّ الإنسان ضعيفٌ بطبعه، سعى إلى تقوية نفسه، ولأنَّ الإنسان في خُسرانٍ منذُ لحظةِ ولادته فإنَّ ساعةَ موته تقترب، فعندما يوقن المرء بذلكَ، ينصحَ نفسَه ومن يلوذ به بالبِدار، لأنّه: بين عينيّ كلِّ حيٍّ.. عَلَمُ الموت يلوحُ، كما قال أبو العتاهيّة.

الكُفران وجحد النِعَم:

إذا عَلِم المرءُ أنَّ الإنسان ضعيفٌ بطبعه، سعى إلى تقوية نفسه، ولأنَّ الإنسان في خُسرانٍ منذُ لحظةِ ولادته فإنَّ ساعةَ موته تقترب، فعندما يوقن المرء بذلكَ، ينصحَ نفسَه ومن يلوذ به بالبِدار.

قال تعالى (وآتاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم : 34)، (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (العاديات :6) (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس :17) (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) (عبس :24).

الخصومة والجدل:
قال تعالى: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) (النحل :4) (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَررَ شَيْءٍ جَدَلًا) (الكهف : 54) فالجدلُ هو أكثرُ صفةٍ تُميِّزُ الإنسان، وكثيرًا ما نرى أناسًا يخاصمون عن الطغاة الظالمين بغرور وصَلَف. 

العَجَلة:
قال جل شأنه (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء :37) ومن العجلة تقديم الدنيا وتفضيلها على الآخرة، قال تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) ) (القيامة: 20-21). فنرى اليومَ أقوامًا دينهم وديدنهم كل ما هو جديدُ وحديثٌ فنجد أديانًَا جديدة كدين حبُّ الاستهلاك، ودين التسوُّق، ودين الحداثة، فكل ما هو حديث وحادث ومُحدث فهو مطلوب، ولا يهمّ إن كان نافعًا أم ضارًا حسنًا أم قبيحًا، الأهمُّ أن يكون حديثًا خرج لتوِّه من المصنع أو تُدوْوِل في الأسواق.

الهلع والجزع والمنْع:
قال تعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)) (المعارج) فإنَّ من طبيعة الإنسان الهلع والجزع والمنع والشحّ فإننا نرى في الغرب والشرق من غير المسلمين كيفَ أنَّه يكُثر لديهم الانتحار والتوتر النفسي والغضب والحالات والأمراض النفسية التي تصيبهم، وهي ناجمة عن تخلُّقهم بهذه الأخلاق المُريعة.

اليأس:
قال تعالى (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (الإسراء :83) (لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) (فصلت:49) وقد حرَّم الله اليأس فقال: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)) (يوسف) فليسَ لمؤمنٍ مسلمٍ أن ييأسَ.

الغفلة والنسيان وتناسي البعث والعرض على الله تعالى والغرق في الدنيا وشهواتها:
قال تعالى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (مريم :67) وقال عز وجل : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) (الفجر :23)، (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) (الطارق:5)، (وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا) (الزلزلة: 3) وقال جل جلاله: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) (القيامة: 36) وقال أيضًا: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى) (النازعات:35) ولذلك شرعَ الله لنا الذكْرَ، لأنّ من طبيعة الإنسان النسيان.

إنَّ ضعفَ الإنسان عامٌّ، ويشملُ الطبائعَ الخَلْقيّةَ، فإنَّ الإنسان يولدُ ضعيفًا صغيرًا باكيًّا، لا يستطيعُ أن يؤمِّن قوتَ يومِه، لكنّ عودَه يشتدُّ حين يكبُر، ثمَّ يُرَدُّ إلى ضعفِه في أرذل العُمُر.

خلقُه من أخلاط مختلفة تؤثر في طباعه وتوجَّه بالتربية والتخلّق:
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِييعًا بَصِيرًا) (الإنسان:2).

خلقُه في أحسن تقويم:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين :4)

أنَّه لا أحدَ أعلمُ بنفسِه من الإنسان نفسِه:
(بَلِ الْإِنسَانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (القيامة :14)

أنَّ الأصلَ في النّاس الظلمُ عند الغِنى والقوة:
فإنَّ العدل نتيجة أسباب مختلفة، كالتخلُّق والتربية والدين. قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7))(العلق) وقال المتنبي من الكامل: الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ. 

توهُّم الإنسان أنَّه سيخلُد:
(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء : 34) لذلك جاء التذكير بالأصل وهو العَدَم: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)(الإنسان :1)

أنَّ الأصلَ في الإنسان الجهلُ:
(عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5) إنَّ في هذه الآيات لعلاماتٍ دالّة قويّة واضحة للمتوسّمين تدلُّ على شدّة ضعف الإنسان وعظمَة خالقِه وحاجته إلى رحمته وإليه، فتعالى الله الملك الحق، تعالى عُلُّوًا كبيرًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.