شعار قسم مدونات

دون بلوغ الشوق من غزة إلى مكة

blogs الحجاج الغزاويين

زيارة مكة وشد الرحال إليها هي فكرة سهلة لدى سكان العالم العربي والإسلامي، ولا تحتاج من أي شخص سوى موعدٍ مناسب وبعض النقود مع تذكرة السفر، أما نحن في غزة فنعيش على وقع المفاجآت ونبقى جاهزين للطوارئ والسيناريوهات الصعبة في كل تفاصيل حياتنا، وللأسف يجب أن نتوقع الأسوأ حتى لا نصاب بخيبات أملٍ مستمرة ونقلل من حجم الصدمات باستمرار.

 

كما أن الحج في غزة يمثل رحلة العمر الوحيدة لغالبية سكان القطاع، وقد تفاجأت ذات مرة حينما سألت عددًا غير قليل من المسنين في القطاع إذا ما كانوا شاهدوا طائرة السفر في حياتهم أو ركبوها، فكان جواب الكثيرين منهم أنهم لم يشاهدوها سوى من خلال التلفاز، وأنهم لم يعرفوا في حياتهم سوى طائرات الاحتلال الحربية التي ترمي بحممها عليهم من حينٍ إلى آخر، وعدد آخر كان قد رآها حينما سافر إلى الحج فقط، والنسبة الأقل من بينهم هي التي استطاعت السفر لأغراضٍ أخرى.

 

ومنذ ثلاث سنوات توقفت رحلات العمرة من قطاع غزة بفعل الحصار والظروف السياسية مما حرم عشرات الآلاف من الوصول إلى منتهى أشواقهم في مكة والمدينة، كما أن التسجيل لقرعة الحج متوقف طوال هذه المدة وعلى هذا الحال لن يفتح الباب للتسجيل من أجل الحج إلا بعد سنتين على الأقل، فالمسجلون للحج أكثر من ٧ آلاف مواطن، والمسموح لهم بالسفر للحج هم ما يقرب من ٢٣٠٠ مواطن.

 

نتيجة ذلك كله ونتيجة ما يعيشه القطاع من ظروف استثنائية حرمت سكانه من الحج في أحد المواسم قبل سنوات وحرمت عشرات الآلاف من العمرة خلال السنوات الماضية، خرجت الكثير من الدعوات من أجل رفع حصة غزة من عدد الحجاج السنوي أو على الأقل أن تكون هناك مكرمة تشمل جميع المسجلين الآن من أجل فتح باب القرعة للآخرين، خصوصًا وأننا لا ندري إن فتح المعبر هذا العام هل سيفتح في العام الآخر خاصة للعمرة.

 

نحن نتكلم عن حياة غير عادية يغالب فيها الإنسان من أجل أشواقه كما يغالب فيها الاحتلال؛ هي إذن معارك فردانية ضمن المعركة الجماعية العامة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد المحتل

ناهيك عن تضرر مئات الأسر التي تمتلك شركات للعمرة أو يعمل أفرادٌ منها فيها نتيجة توقف أعمالهم طوال هذه السنوات، والمئات من المسجلين للحج ماتوا خلال السنوات الماضية ودفنت أشواقهم معهم دون أن يلامس حنين قلوبهم الحجر الأسود والروضة الشريفة، فيكفيهم أنهم عاشوا الحرمان من العودة إلى أرضهم أو التنقل فيها بحرية، فنتمنى أن يُسهل لهم طريقٌ إلى ديار ارتبطوا بها عشقًا وشوقًا إيمانيًا وروحانيًا.

 

ليست هذه هي القضية المأساوية الأبرز التي يعيشها سكان قطاع غزة لكنها واحدةٌ من أوجه المعاناة المرتبطة بمشكلاتٍ أكبر تتمثل في عدم وجود مطارٍ ولا ميناء ولا معابر حرة في هذا القطاع الذي يشبه إلى حدٍ كبير معسكر اعتقال كبير لكن سكانه أحرار وليسوا عبيدا.

 

فدون بلوغ المشتاقين شوقهم من غزة إلى مكة، وقف الاحتلال وحصاره الخانق، فعلتْ الأسلاك الشائكة ونُصب السياج وأُغلقت الحدود ومُنعت تصاريح العبور، وتواترت الحروب والمعارك حتى باتت الأشواق في عداد المفقودين والضحايا، فنحن نتكلم عن حياة غير عادية يغالب فيها الإنسان من أجل أشواقه كما يغالب فيها الاحتلال؛ هي إذن معارك فردانية ضمن المعركة الجماعية العامة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد المحتل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.