شعار قسم مدونات

لماذا يقصف الاحتلال غزة من حين إلى آخر؟

blogs - gaza
من حين إلى آخر يسمع الناس بأخبار القصف على غزة والذي غالبًا لا يؤدي إلى إصابات كبيرة في الأرواح والبشر وتكون خسائره مادية بشكلٍ أساسي ناهيك عن الأضرار النفسية والخوف والإرباك الذي يسببه ذلك للأطفال وحياة الناس.
 

وفِي كل مرة يسأل الناس -خصوصًا الذين يعيشون خارج قطاع غزة- عن سبب القصف ودوافعه وتوقيته، وهذا الأمر يصعب شرحه في تغريدة أو منشور قصير لذلك خصصت هذا المقال للإجابة على هذا السؤال.

في البداية يجب العودة إلى جذور الصراع والتأكيد على أن الاحتلال مهما كان مبرره من القصف فكل ما يمارسه ضد شعبنا الفلسطيني هو عدوان، وحتى في حالة الهدوء هو يمارس عدوانًا صامتًا ضد حقوقنا وأرضنا مادام احتلاله مستمرًا، وكذلك هناك عدوان أخص يعاني منه قطاع غزة وهو مستمر منذ قرابة ١٢ عامًا وهو الحصار.

لا شك أن المقاومة لا تطمح للحرب ولا تتمناها لكنها في ذات الوقت ترفض الظلم وتجاهد بدافع إيماني وعقدي ووطني ثابت.

وكذلك كل عمل تقوم به المقاومة ضد الاحتلال هو رد فعل على العدوان، لا مشكلة فيه من حيث المبدأ، لكن تكون المشكلة غالبًا في حجم الاستعداد أو التخطيط غير الجيد وعدم استخدام تكتيكات أو أوقات مناسبة، وهذه أمور نسبية تخضع للاجتهاد ولكن المقاومة في غزة اليوم وصلت إلى مرحلة من النضج ساعدتها على قيادة خطاب إعلامي محلي وعربي مساند لها وقللت من الانتقادات لعملها؛ ذلك أنها أثبتت الحجة على الاحتلال في معظم ردات فعلها.

حيث لا يمكن بكل حال من الأحوال استثناء دور المبررات كعامل مهم يرفع رصيد المتحاربين أو يخفضه، وهي باتت جزءًا من المعركة إعلاميًا ونفسيًا؛ حيث لا يمكنك في فترات الهدوء إقناع الجبهة الداخلية والجماهير بضرورة الحرب، ويجب أن تشعرهم بالخطر الذي يستوجب هكذا ألم وتضحية وإقناعهم بالثمن المقابل لصبرهم وعطائهم حتى تبقى معنوياتهم مرتفعة وقدرتهم على الصمود عالية.
فإن كان الأمر على هذا الحال فلماذا تخرج بعض الصواريخ من غزة أثناء فترات الهدوء وتسقط في محيط مستوطنات الاحتلال، رغم أن المقاومة منهمكة في الإعداد، وما المصلحة منها؟

من المعروف أن المقاومة لا تضيع أي دقيقة وهي ماضية في تطوير أدواتها وتدريب كوادرها حتى تكون في أفضل جهوزية حين مواجهة الاحتلال، وتدفع ثمن ذلك من عرق أبنائها وتعبهم وحتى دمهم، فلا يخلو شهر من استشهاد شابٍ أثناء التدريب والإعداد، ولا شك أنها لا تطمح للحرب ولا تتمناها لكنها في ذات الوقت ترفض الظلم وتجاهد بدافع إيماني وعقدي ووطني ثابت، فمن حقها ومن الطبيعي أن تدافع عن نفسها وشعبها وأتمنى أن تمتلك في يومٍ من الأيام ما يؤهلها لأكثر من ذلك.
 

وقد يكون من الذكاء تأجيل الحرب قدر الإمكان فهو يخدمها ويخدم شعبها المنهك من الحروب، إذن فمرةً أخرى من الذي يطلق الصواريخ دون هدف في فترات الهدوء تجاه مستوطنات الاحتلال؟
ينبغي الإشارة أولًا إلى أن هذه الصواريخ تسقط في محيط مستوطنات الاحتلال وفِي المناطق المفتوحة ولا تسبب أضرارًا تذكر، وغالبًا تكون خالية من الرؤوس المتفجرة، ويعقبها في ذات اليوم خروج طائرات الاحتلال لضرب أهداف محددة مسبقًا وكأن في الأمر تنسيق ما، كما ولا يعلن أي فصيل فلسطيني مقاوم مسؤوليته عن تلك الصواريخ، فهي مجهولة المصدر وقد لا يكون هناك قصف من داخل غزة ويزعم الاحتلال خلاف ذلك لتبرير هجومه، وهذه دلائل تؤكد بشكل واضح بأن هذه الصواريخ فعليًّا مجرد تبرير ساذج، لأن الاحتلال في مقابلها يقصف بعشرات القذائف والصواريخ أهدافًا ومعدات للمقاومة.
 

فهل المقاومة غبية لهذا الحد حتى تسمح لنفسها بتكرار هذه المعادلة الخاسرة؟ وتضيع جهدًا كبيرًا بذله أبناؤها مقابل صاروخ واحد مجهول المصدر ومشبوه وقد يقف خلفه الاحتلال كما ثبت في بعض الحالات ومنها تلك الصواريخ المجهولة الثلاثة التي كسرت الهدوء خلال تهدئة في عدوان عام ٢٠١٤ وتبعها محاولة اغتيال القائد محمد الضيف.

العدوان الصهيوني مستمر سواء كان هناك مقاومة أو لا بسبب أو من دون سبب، والاحتلال مستعد لارتكاب الفظائع من أجل تنفيذ مشاريعه.

هذه المعادلة لا يستفيد منها إلا الاحتلال وقد يكون هو من يقف خلفها بشكل أو آخر، ومن يفعل ذلك يخدم الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن حالة الهدوء الحالية متوافق عليها بين جميع فصائل المقاومة وهي في صالحها وصالح الشعب الفلسطيني وليست هدوء لأجل الهدوء ولا استراحة محارب بل هم في ساحة جهاد وكفاح أخرى حتى يكونوا أكثر ندية وجاهزية للمواجهة في حال فرضت عليهم وعلى كل حال لا يوجد تبرير لفعل الاحتلال ولا لوجوده ومن حق المقاومة الرد على معادلة الاستنزاف والاستفزاز هذه بالطريقة المعقولة التي تراها مناسبة.
 

هذه تبقى وجهة نظر تتناول جانبًا معينًا من جوانب هذه الصواريخ التي تطلق في فترات الهدوء دون أن يعلن عنها أحد، وهي مجهولة أو مشبوهة ذلك أنها ليست ذات هدف عسكري ولا سياسي لكن ينبغي الإشارة إلى وجود بعض الصواريخ ذات الأهداف السياسية التي تكون مقاربة لأسلوب الاحتلال في الرد حين يستهدف بعض الممتلكات والنقاط لإيصال رسائل فترد المقاومة بعدها بشكل أو آخر يكون محسوبًا حتى لا يظن الاحتلال بأنه من الممكن أن يتمادى دون أن يجد مقاومة.
 

وخلاصة الأمر أن كل تصرفات الاحتلال اسمها عدوان ولا يمكن أن تُسمى رد سواء سبقها فعل من المقاومة أو فعل مدبر أو مجهول، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التساوق مع الاحتلال أو مصطلحاته، ومع الإشارة إلى أن أفعال المقاومة وتكتيكاتها فعل بشري يخضع للاجتهاد لكننا نرى أنهم يبذلون أفضل ما بوسعهم، والعدوان الصهيوني مستمر سواء كان هناك مقاومة أو لا بسبب أو من دون سبب، والاحتلال مستعد لارتكاب الفظائع من أجل تنفيذ مشاريعه كما فعل أيام النكبة والمجازر المتلاحقة ضد من يقف في وجهها، وعدم الوقوف بوجهه لا يعني أنه سيتوقف لكنه سيمضي بهدوء وصخب أقل حتى يتمكن بالكامل وينتزع كل الأرض من أصحابها وأقرب مثال إلى ذلك ما يجري في الضفة المحتلة والداخل المحتل من هدم للمنازل بالعشرات وتهجير أهالي القرى كما جرى في أم الحيران وقتل واعتقالات واستيطان رغم عدم وجود أجنحة مقاومة فاعلة هناك كما أن الصهاينة ذاتهم في الأساس هم من جاؤوا لأرضنا بعدوانهم ولسنا نحن من ذهب إليهم وهذه لوحدها تختصر المعادلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.