شعار قسم مدونات

مدير بالبراشوت!

blogs - مكتب اجتماع
تجد في بعض المؤسسات مديرون قفزوا إليها بالبراشوت، لا تعرف من أين أو كيف أتوا؟ وماهي المؤهلات التي جعلتهم يعتلون برج الإدارة، كل ما يمكنك أن تعرفه أنهم أصبحوا في أعلى السلم الإداري وعلى قمة الهرم.. مدير البراشوت هذا لا يمر في سلسلة مقابلات، ولا يعرف شيئاً اسمه وصف وظيفي، فهو خارج التغطية بالنسبة له، ولا يرى سلم الرواتب إن اقترنت الأمور بشخصه أو جوقته، ولا يعترف بمسميات أو أدوار وظيفية، فهو يتدخل في كل شاردة وواردة، سواء كانت من اختصاصه أو من اختصاص أصغر موظف في السلم الوظيفي.

من المضحكات المبكيات في مدير البراشوت أن القضايا الكبرى لا تسترعي انتباهه، ولا تخطر له على بال، على عكس التفاصيل الصغيرة التي تستفز كيانه، وتخرج أعز ما فيه، مثل كاسة الشاي التي تنساها على مكتبك، أو الورقة التي أوقعها أحدهم خارج سلة المهملات لا داخلها! وإن ابتليت وأرسلت له ملفاً أو ورقة لتوقيعها أو تدقيقها فيخرج لك كل مهاراته اللغوية والإملائية، بغض النظر عن المحتوى الحقيقي للورقة!

مدير البراشوت لا يهمه سوى نفسه، ولا يرى غيرها، فأما الموظفون فهم كائنات يستخدمها للصعود في سلم ترقيته ووصوله إلى الأعلى، وإذا ما أعاقه أحدهم تخلص منه بطريقته


مدير البراشوت يفطن للأمور بعد حدوثها، ويصدر الأوامر بعد وقوعها، قدراته الذهنية لا تساعده على أن يتخيل المستقبل جيداً ويصدر أوامره بناء عليها، وإنما ينتظر حتى اللحظة الأخيرة، فإذا ما طلعت الشمس أمر القوم بالنوم حتى لا تفوتهم أفضل ساعات النوم! لديه صنفان من البشر، صنف في الدرجة الأولى، يفهمون في كل شيء، ويستشيرهم في كل نازلة وواقعة، مهمة أو غير مهمة، عاجلة أو آجلة، وهم بالتالي لا يبخلون عليه بالنصيحة، يتجمعون حوله، ويطربونه بما يحب أن يسمع، وينطقون بما يفكر به وما يود أن يقوله، يا سبحان الله، فهذا توارد الأفكار والكلام الذي لم يصلنا بعد! 

وصنف آخر لا قيمة له، هو زائد على الدنيا، ذو هم ثقيل على المدير، ينغص عليه حياته، وقًدًرُه – أي المدير – ومن معه من الصنف الأول أن يساعدوا هؤلاء على إدارة حياتهم وتسيير أمورهم، فهم يتصدقون عليهم ببعض النصائح صباحاً ومساء، كي لا يتعثروا في حياتهم أكثر مما هم متعثرين فيها، ويكرمونهم بالرواتب المحسوبة بدقة جداً آخر كل شهر بالتأكيد!

مدير البراشوت له علامات تميزه عن غيره، فهو ينام فجأة ويستيقظ فجأة، عادة يأتي إلى العمل متأخراً، ولكنه فجأة وبدون سابق إنذار يغير جدوله ليكون الاجتماع الصباحي الساعة 7، ويفرض على الجميع الحضور، وإذا ما اعترض أحدهم على الوقت أهداه محاضرة على أهمية اغتنام البكور والاستيقاظ بنشاط في الصباح الباكر.. يهمل بريده الإلكتروني أسابيع، ويترك المشاريع راكدة بلا حراك، وفجأة أيضاً وبدون سابق إنذار كذلك، يطلب كل المشاريع، بكل التفاصيل والأرقام، وإذا ما وجد أحدها غير مكتمل الأركان أقام الدنيا ولم يقعدها، وإن كان التأخير من طرفه! إذ لمَ لم يلحّوا عليه بالرد وأهملوه؟!

مدير البراشوت لا يهمه سوى نفسه، ولا يرى غيرها، فأما الموظفون فهم كائنات يستخدمها للصعود في سلم ترقيته ووصوله إلى الأعلى، وإذا ما أعاقه أحدهم تخلص منه بطريقته، وأما المؤسسة فهي وسيلة يستعملها وطريق يسير فيه نحو غايته الشخصية العليا، سواء أنتجت المؤسسة أم لم تنتج، أضافت شيئاً إلى محيطها أم لم تضف، وهذا ما لا يدركه من عينوه أو ساعدوه إلا بعد فوات الأوان، هذا إن لم يكونوا متحالفين معه ومتقاسمين لنفس الكعكة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.