شعار قسم مدونات

الهزيمة النفسية للإخوان

blogs - إخوان المسلمون
عاش بنو إسرائيل عقودا من الاضطهاد من قبل الفراعنة، وعندما جاء النبي المخلص موسي عليه السلام رفضوا الانصياع لأوامر النبي بالدخول إلى الأرض المقددسة، بل وزادوا عن ذلك بعبادتهم للعجل تأثرا بعقيدة المصريين. وفسر المفسرون ذلك التصرف بالهزيمة النفسية والظروف التي عاشوها من ضعف وهوان وإذلال من قبل الفراعنة، وقد جاء العقاب من الله بالمكوث في التيه أربعين عاما ربما ليخرج جيل جديد بعيدا عن سوط الجلاد وعن حياة الذل والخوف التي عاشها الآباء والأجداد.

ربما يتشابه ذلك الموقف مع المواقف السياسية لبعض جماعات تيار الإسلام السياسي في يومنا هذا، فبرغم وجود منهج صحيح إلا أنهم يستسلمون للظروف المحيطة والتيارات الفكرية المعاصرة فيبدأون بتقديم التنازلات الواحدة تلو الأخرى ظنا منهم أنهم يواكبون العصر وينحنون للتيار.

الهزيمة النفسية:
ولعل أكبر ما يدل على الهزيمة النفسية كانت جلسة الاستماع التي عقدها مجلس العموم البريطاني مؤخرا لعدد من قادة الإخوان لمعرفة رأيهم في حرية الإلحاد والشذوذ الجنسي، وكانت الإجابة بأن ذلك حرية شخصية وأن الإسلام لا يعارضه، وزاد أحد قيادات الإخوان في حزب النهضة التونسي في لقاءات سابقة بأنهم مع فصل الدين عن الدولة، وضد تعدد الزوجات، ومع حرية بيع الخمور، كل هذا من أجل أن يظهر الإخوان بمظر المتحضر المتقبل للآخر.

الاستعلاء بالإسلام عند حازم وأردوغان:
على العكس تماما تجد حازم أبو أسماعيل يتخذ مواقف أكثر ثورية وأكثر تصادمية مع قيادات الجيش أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويدعوهم إلى تسليم السلطة بأسرع وقت ممكن، وبنى الشيخ حازم موقفه على أساس فهمه وإلمامه بالثورات السابقة، ومحاولة إفشالها عن طريق قوى الثورة المضادة وما حدث في ثورة 1919 في مصر وربيع براغ 1968 في تشيكسلوفاكيا وثورتي رومانيا الجزائر 1989، وغيرها من الموجات الثورية، وكيف أن معظم الثورات تم إجهاضها بسبب عدم الحسم الثوري والالتفاف عليها.

استجابة أردوغان لإجراء بعض الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي كانت تصب في صالحه من حيث عدم تدخل الجيش في الشأن السياسي.

ويتشابه هذا المنهج مع أردوغان في حسن تقييمه للوضع السياسي الداخلي والتجارب السياسية الإسلامية السابقة وكيفية تطوير الخطاب الإعلامي تدريجيا مع عدم التنازل عن الثوابت الإسلامية، والعمل على أسلمة المجتمع التركي تدريجيا وعدم الرضوخ للضغوط الأوروبية والأميركية الداعية لاستمرار علمنة تركيا.

بين الرؤى الإصلاحية والرؤى الثورية:
يرى الإخوان أن التصادم مع الداخل والخارج سيضر بعملية نقل السلطة، ووضح ذلك جليا بعد تسلم الإخوان مقاليد الحكم في مصر تدريجيا، وما تلاه من إشادة بالمجلس العسكري ثم الإشادة بالشرطة، وأنهم في القلب من ثورة ناير (مع أن الثورة قامت أصلا ضد تجاوزتهم) انتهاء بوجود رجال (زي الدهب) بالقوات المسلحة، طبعا كل هذا الثناء من أجل استمالة أكبر كتلة من القوى الفاعلة في الدولة العميقة وطمأنتها بعدم وجود نية لتطهير تلك المؤسسات الفاسدة أملا في إصلاحها تدريجيا.

التيار الإسلامي الثوري:
على الجانب الآخر؛ أصر حازم على إجراء تطهير مؤسسات الدولة تطهيرا شاملا ومحاكمة المتورطين منهم، واستطاع حازم أبو إسماعيل إنشاء تيار إسلامي ثوري، وقاد معركة ثقافية أطلق عليها معركة الوعي من أجل رفع الوعي الإدراكي للشعب المصري، وتفويت الفرصة على قوى الثورة المضادة لتدمير الثورة من الداخل.

المرشح التوافقي:
خلال تلك المعركة الثورية حاول الإخوان تقديم مرشح توافقي قدر الإمكان لينال رضا الجميع من إسلاميين وثوريين، ويرضي أيضا القوى الإقليمية والدولية، ورفض حازم هذا المقترح وصرح بأن المرشح التوافقي بما يملي عليه من أجندات ومحاولته إرضاء القوى المختلفة؛ يؤدي إلى إعاقة الخط الثوري، وأوضح حازم أن الحالة المصرية بما تمثله من تعداد سكاني كبير وموقع متميز وسيطرتها على ممرات الملاحة الإسرائيلية إلى أفريقيا تعد مصدر قوة، مما يجعل المجتمع الدولي يلهث لإرضائنا ومحاولة كسب ثقتنا، وأن الخطاب الإصلاحي التوافقي يجعلنا نرضي الغرب فقط. وظن الإخوان أن الخطاب الثوري للشيخ حازم تصادمي وأنه يسلك المسار الخاطئ، وظنوا أنهم يتمعتون بالمرونة اللازمة لعبور المرحلة المتأزمة، وزاد ذلك الشعور بعد استبعاد حازم من الأنتخابات في القضية المعروفة بجنسية والدته، ولم يدرك الإخوان بأنه يتم حبك لعبة لإزاحتهم من الحكم والحياة السياسية كلها. رغم الشعبية الجارفة التي حققها الشيخ حازم عقب ثورة يناير لم يفهم قادة الإخوان أن الخطاب الثوري لحازم والتصادمي مع الدولة العميقة هو الذي صنع تلك الشعبية لرغبة قطاعات جارفة من الشعب في التغيير.

يجب على الإخوان أن يستفيدوا من التجربة السياسية التركية في إدارة الصراع الإقليمي والدولي لصالحهم والخروج من كل المطبات السياسية بأقل الخسائر، وذلك عن طريق الاحتكاك المباشر بدولاب السياسة التركي.

بين الإخوان وأردوغان:
مما سبق يمكننا القول إن عدم وعي بعض من قادة الإخوان بقواعد حكم الدول والاعتقاد الراسخ بأن أميركا وحدها تتحكم بقواعد اللعبة السياسية في العالم، هي التي جعلت الإخوان يتجاهلون المطالب الداخلية بالتغيير الجذري خشية إغضاب القوى الدولية والإقليمية المؤثرة، وظنوا أنهم يسيرون على خطى أردوغان في الإصلاح التدريجي، ولم يدركوا أن أردوغان من أول يوم وصل إلى السلطة رفض تكوين حكومة إتلافية أو توافقية ورفض تقديم تنازلات انتخابية، وأصر على حكومة مكونة فقط من حزبه، وهو عكس ما فعله الإخوان تماما.
كما أن استجابة أردوغان لإجراء بعض الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي كانت تصب في صالحه من حيث عدم تدخل الجيش في الشأن السياسي، أو تغول المحكمة الدستورية في الحياة السياسية (فيما عرف بحزمة قوانين الاتحاد الأوروبي) أي أنه استخدم فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي في الإصلاح الداخلي الذي يقلل من نفوذ الدولة العميقة.

بصيرة الشيخ حازم:
بعد الانقلاب العسكري في مصر شهد الجميع ببعد نظر حازم أبو اسماعيل في توقعه للانقلاب وصحة وجهة نظره في مسألة الحسم الثوري، وخطأ نظريات الإخوان الإصلاحية، حيث كان الخطاب الجماهيري الواثق الذي يقدمه حازم أبو إسماعيل ومنهج الاستعلاء بالإسلام هو ما يشعل لهيب الشعوب ويجعلها تلتف حول قائدها ضد أي قوى تدخل خارجية.

تجديد الخطاب الإعلامي:
المشكلة أن الخطاب الإعلامي للإخوان بعد الانقلاب ظل على وضعه في التمسك بالاصطفاف خلف قوى ثورية لا تمثل ثقلا في الشارع المصري، والتنازل عن عودة الرئيس المنتخب أو إعادة دستور البلاد وتقديم مرشح توافقي علماني مرة أخرى ينال رضا الغرب، وكأن الإخوان لم يتعلموا الدرس، وكأن الغرب سيسمح لهم بالدخول في الساحة السياسية مرة أخرى لمحاولة استقلال مصر سياسيا واقتصاديا.

كلمة أخيرة:
يجب على الإخوان من الآن أن يكونوا مستعدين إعلاميا وفكريا للموجة الثانية من الثورة، والتي لا يمكن عبورها إلا بالحسم الثوري المبني على إدراك كامل لكل ما تعنيه كلمة ثورة.
كما يجب عليهم أن يستفيدوا من التجربة السياسية التركية في إدارة الصراع الإقليمي والدولي لصالحهم والخروج من كل المطبات السياسية بأقل الخسائر الممكنة، وذلك عن طريق الاحتكاك المباشر بدولاب السياسة التركي وفهم كيفية تمددهم في العمق العربي الإسلامي والأسيوي، والاستفادة من التكتلات السياسية في صناعة حائط صد إقليمي يكون عونا لمواجهة التحديات والمخاطر المحتملة وكيفية مواجهة الضغوط السياسية والإقليمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.