شعار قسم مدونات

شهداء في ثوب الجناة

blogs - human

منذ أول دولة عرفتها الإنسانية وأثناء تأسيس بنائها الاجتماعي المنظم لأعضائها، كان هنالك سؤال لم توجد له إجابة واضحة، ماذا يحدث لو تحول المسؤولين عن الدولة عن طريقهم السوي، وشغلتهم تطلعات مشينة، وتجاوزوا حدودهم المحددة لهم من قبل؟ تلك الأزمة التي عرفها التاريخ البشري في أشكال عدة، في كافة الحضارات الإنسانية، وزادت مع التطور المستمر فما أثبتت أي شيء كما كان يقول ماركس أن كل مُقدس يدنس. تحايل البشر على مبادئهم وخالفوا كل الأعراف الإنسانية، فلم تعد هنالك حقائق ثابتة.
 

كثرة إطلاق لقب الشهادة والتضحية، يجعلنا نتساءل من هو الشهيد وكيف تكون التضحية تضحية فعلاً؟ يقول المثل الإنجليزي "إن الضحية تجري مع الأرانب البرية" كما تجري العادّة تصطاد الأرانب، مجموعة من كلاب الصيد، فدائماً ما تتمتع الكلاب بالقوة والعدو. الحكمة من المثل أن الضحايا يختاروا الجري وسط الأرانب -الضعيفة المحكم عليها بالموت – على الانضمام لكلاب الصيد الكثيرة والقوية، فالضحية ترتضي أن تموت من أجل هدف ما على أن تعيش دون هدف.
 

وقت الحرب من يصبح الضحية ومن يصبح الجاني، إن كانت الحرب حينها بين الأمة وبين بعضها؟

الدول أُنشئت من أجل إشباع حاجة الأمم في الشعور بالأمان، والدولة تحتاج إلى أعضاء من الأمة يُضّحوا من أجل توفير الأمن لباقي الأعضاء، والحفاظ على النظام قائماً، فالأمة والدولة كل منهم يكمل الآخر. الأشخاص الذين يرتضون أن يقدموا التضحية من أجل باقي الأمة، تطلق عليهم الدولة لقب البطولة، ولتضحيتهم الشهادة، مثل حماية الحدود وحراسة الجيران والأهل وممتلكاتهم، والقوة حينها تكون مقتصرة على الدولة، لما لها الحق في الحفاظ على أمن الرعايا، مما جعل أي محاولة خارج الإطار التي رسمته الدولة، إرهاب عليها، مما يعني إرهاب على أمن الرعايا. لكن في ظل التغيرات التي تطرأ على الأنا، ورغبته المستمرة في جني الثروات والقوة والسلطة، جعل الامور تأخذ منحنيات أخرى.
 

أثناء ثورات الربيع العربي وما تلاها، كانت هنالك إشكالية في معرفة الجاني من المجني عليه، فحين تستخدم الدولة القوة ضد الرعايا بحجة الحفاظ على أمنهم، ويتم انتهاك تلك المبادئ بالتعدي وتقييد حرية الرعايا، أو قتله في بعض الأحيان، يطلق عليه بين من يشبه لقب شهيد بطل، في حين أن الدولة تطلق لقب الشهيد على أعضائها الذين قُتلوا. فالحقيقة أن الضحية أياً كانت سوف تصبح الحقيقة معها بغض النظر عن إن كان جاني أم مجني عليه، فالقوة تصبح حين تحققها عبء على حاملها.
 

حين تحركت مجموعات صغيرة تعاني مما تعانيه الأغلبية من ظلم وتهميش واضطهاد إلى الثورة على النظام، كانت محملة فقط بالإيمان بالقضية، راضيه بالتضحيات التي ستكون، مقبلين على الموت برضى، آملين أن تكون تضحياتهم جزء من انتصار قضيتهم النهائي، على الرغم من اعتقادهم أن تلك التحركات ربما تكون آخر قرار يمكن أن يتخذوه في حياتهم، إلا أنهم يقبلوا عليه، مما يضعنا أمام حيرة.
 

وفي الناحية الأخرى يقف أعضاء وكلتهم الأمة بأمنها، في الإطار التي تحدده الدولة، إلا أن الدولة جنحت عما أنشئت له. كل ما يستطيع أن يفعله هو أن يقدم تضحياته بالسهر على تأمين الأمة، إلا أنه وجد نفسه في يوم أمام الأمة ذاتها لكن في تلك المرة كأعداء، فقام بتنفيذ المهمات التي وكلت إليه، ثم قدم تضحيته الكبرى بموته.
 

أي من هؤلاء يملك الحق، أي منهم هو من قدم التضحية؟ أي منهم هو الشهيد؟ يقول الساسة: إن أردت في يوم السلام، عليك الاستعداد للحرب، لكن وقت الحرب من يصبح الضحية ومن يصبح الجاني، إن كانت الحرب حينها بين الأمة وبين بعضها؟  حتى نجد إجابة لتلك الأسئلة تبقى الأمة والدولة أعداء، لكن لن ينفصل أحدهم عن الآخر.
 

وعلى الله قصد السبيل

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.