شعار قسم مدونات

في زمن الآفة الحوثية

blogs - houthi
في زمن الآفة الحوثية لا تملك غير أن تتنفس، أن تصارع البقاء، أن تقف على مثل نصف الأرض هموما وآلاما. في زمن الحوثي لا يحق لك التفكير في غير انتزاع يوم جديد للحياة فقط. في زمن الحوثي تعطلت الحواس ودخلت مشاعر الخلق في هيجان سرمدي مع كل مفردات الحياة.

تقول كثير من الدراسات أن اليمن يحتاج إلى عشر سنوات كحد أدنى للتعافي مما هو فيه الآن، هذا يعني أن عشر سنوات من عمر كل يمني ستمضي في سياق مكسور، عشر سنين تمضي بعيدة عن أحلام اليمنيين وسعادتهم وتطلعاتهم، من يتصور هذا الهول؟ أن يتسلل أحدهم إلى عشر سنوات قادمة من عمرك ويعمل على إبطالها وإفراغها من القيمة الحقيقية لها! هذه الوحشية البعيدة المدى لا يمكن تخيلها ولا يمكن الوقوف على فجائعها لتنافيها مع قيم الفطرة الآدمية ولكونها خارج نطاق العقل والتفكير.

اتضح أن الحوثيين ليسوا صدفة عابرة، أو نتاجا للأحداث الأخيرة، وأنهم لم يدخلوا يوما في حياة الإنسان اليمني إلا بكونهم روادا للبشاعة والإجرام، هذا ما يقوله التاريخ عبر مراحله.

خلف كل هذا الخراب وفوق كل هذا السواد مسخ حوثي لا يزال يردد أكذوباته ولا يكترث لأي لحظة دمار أحدثها في البيت اليمني، وهذا هو الأهم الذي أحاول طرحه بسؤال: لماذا لا يكترث الحوثيون تجاه خارطة متفحمة من أقصاها إلى أقصاها؟ الجواب قد يكون صعبا للغاية وقد يكون هو الأشد مرارة والأقسى من الكارثة نفسها، لا يكترثون لأن مادتهم لم تتكون إلا على أساس أنهم لا يكترثون، وهذا يثبت بالقطع التام أن أحدهم قد أعاق اكتمال آدميتهم وجعلهم فقط يقفون على هذه الصورة (وحوش مفترسة لا أكثر).

كنت أسأل نفسي وغيري الكثير بسؤال من صلب الفطرة، سؤال لا يحتار بجوابه لسان، هل يعقل أن يأتي أحدهم ليقتلك ثم يفجر منزلك ثم يهجر بقايا عائلتك، وبعد أن يتأكد من ذلك كله يقف على مجموعة أنقاضك تلك ليقول (الموت لأمريكا)؟ هل يمكن أن يحدث هذا؟ هل يمكن أن تمارس مهنة الشيطان ولا ينتابك شعور ولو بنسبة ضئيلة تقول لك ماذا فعلت؟ هذا ما يحدث لدى ما يسمى بالحوثيين، يفعلون كل شيء ولا يكترثون، وفوق هذا ما يزالون إلى هذه اللحظة يعتبرون أنفسهم أنهم المد الإلهي الذي يفرض على الجميع التسليم به أو الموت من خلاله، وهذا من أوسع الأبواب غرابة وتعجبا في عقول اليمنيين، إذ كيف لمن يقدم نفسه على أنه من أنصار الله هو نفسه الذي يحارب كل حق قادم من السماء.

هذا أدى الى اكتمال القناعة لدى الكثير بأن الحوثي لا يختصم مع الأرض فقط، وإنما أصل خصومته مع السماء، مع الله الذي خلقنا أحرار كرماء، ولذلك هو يقتل عباده ويمارس بحقهم بشاعة تأريخية ويحاول تمرير تسيده على رقابهم وليس من ذنب سوى أنهم رفضوا التفريط بما منحهم الله إياه، لن نقول أن هذه الكارثة كانت في حسبان المجتمع اليمني، بحيث نقول أنه كان بالإمكان تجاوزها، وسنعترف بذلك أنه لم يكن هذا خصوصا داخل الطبقة التي لا تزال بعيدة عن الحراك السياسي، وظلت التخوفات محصورة داخل النخب والمثقفين دون أن تتحول إلى حركة وعي تسهم في رفع منسوب الخطر تجاه ذلك التهديد الذي يتربص بالوطن وأهله.

اتضح أن الحوثيين ليسوا صدفة عابرة، أو نتاجا للأحداث الأخيرة، وأنهم لم يدخلوا يوما في حياة الإنسان اليمني إلا بكونهم روادا للبشاعة والإجرام، هذا ما يقوله التاريخ عبر مراحله التي كانت تشهد أفعالا ثورية ومطالب شعبية، وكيف أن هذا الفكر كان هو الذي يتصدر الثورة المضادة لأي مطلب جماهيري، ابتداء من ثورة المطرفية مرورا بثورة 48 وثورة 26 سبتمبر وانتهاء بثورة 11 فبراير التي أطاحت بنظام المخلوع علي عبد الله صالح.
 

اليوم وفي هذه المرحلة التي وصلنا إليها، لا يمكن الحديث عن أي شيء إلا فيما يصب في استمرار مقاومة "الآفة الحوثية" ومن ثم إدخالها في أبدية الفناء المطلق كحل وحيد وأخير لليمن أولا وللخليج وللعرب ثانية، وأما ما يصل إلى أذهان البعض عن إمكانية إيجاد خارطة سلام شاملة عبر الجهد الأممي في القضية اليمنية؛ فهذا نوع من العبث لا أكثر وإطالة في عمر الحوثي الذي يحاول الاستفادة من كل هذه المحاولات، وليس ثمة خيار آخر سوى قطع دابر الفتنة إلى غير رجعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.