شعار قسم مدونات

كُل الدّنيا أُمي!

blogs - لقطة من فيلم lion
على مدى زمنٍ طويل كنت أؤمن جدًا بمقولة: "الوقت كفيلٌ بنسيان الوجع"، إلّا عندما لاحظتُ خلال فتراتٍ متباعدة ردود أفعال الأشخاص الذين فقدوا أمهاتهم، ضاعوا عنها أو حتى ترّبوا في حضن أبيهم.

في فيلم ليون (Lion) كانت أم غودو وشيرو تحمل الصخور حتى تستطيع أن تأتِ لهم بالطعام، وحتى في أحد الأيام عندما استطاعوا أن يساعدوها وبدّلوا الفحم بأكياس الحليب رفضت أن تشرب، حتى يشبعوا هُم، كانت ملامحها مُتعبة، ناقصة لا يكملها إلا الغذاء ولم تشرب! ضاع شيرو لمدة 25 عامًا ولم يقُل قبل النوم فيهم إلا: "اشتقتُ إليكِ جدًا أمي"!

أولئك الذين يفقدون أُمهاتهم مُبكرًا، تُعاكسهم الدّنيا لتضع فيهم مشاعر الأُم التي رحلت، التي لن يعوّض فقدانها سوى قلوبهم المُترفة حنانًا وعطفًا. الذين يفقدون أمهاتهم، تأخذهم كُل السُبل إلى قبرها، إلى الأماكن التي زاروها معًا، إلى الأشخاص الذين يحبّونهم، إلى الضحكات والنِكات مهما كان نوعها "الأهم أنها سوية"، للدموع التي ما إن سالت من حدقاتِ عينها تُحرق الدّنيا جميعها، لمسقط رأسها، لرائحتها الذكية، لملابسها، لشجاراتهم سوية!

إلى أمي، سيدّة قلبي، وكل أمهات العالم: كلّ عامٍ وأنتن نور قلوبنا الذي لا يخبو، كل عامٍ وأنتن تحكن الأمل ببسمةٍ منكنّ.. تكفي لأن تُعادل الدّنيا.

الأُم هي حلقة الوصل الأولى والأخيرة في هذا العالم، نولدُ منها، وبمجرد أن يُقصّ حبلنا السرّي يبقى حُضنها ملاذُنا مهما تراكمت علينا خيباتُنا، عندما نفرح تكن أول المبشرين، أول من يفرح لفرحنا ولرّبما أيضًا أننا من دعاء أمهاتنا يبتسم لنا القدر في تلك اللحظة. منذ اللحظة الأولى، التي أتينا فيها على هذا العالم من رحم أُم، أصبحت الدّنيا بدونها لا تُطاق!

توفي والدّي منذ عشر سنوات، كانت أمي ولا زالت تلعب دور الأم والأب معا، ساعدتنا على تخطيّ وجع الفقد رُغم أنها مثلُنا وربما ألمها أكبر حتى، ومسؤوليتها أصبحت أعظم.. منذ تلك اللحظة التي خرجتُ فيها لأرى العالم بعينيّ أمي: بكيت! كانت هذه الدّنيا أكبر منها، وأنا أستصغر أي لحظة في حياتي تمرّ دون وجود أمي فيها.

سافرت أمي للعمرة ثلاث مرّات، لم أستطع أن أدخل البيت في حينها إلا للنوم، وحتى لو تأخرت في عملها، بمجرد دخولي للمنزل، أسأل :"وين ماما، لسّة ما أجت؟". تأتِ نعم الله الكثيرة علينا، ونعمة الأم من أعظم تلك النعم! ذلك الملاك على هيئة بشر، قادر على بثّ السعادة في رّوحك مهما آلت إليه، قادر على مسح دّمعك حتى لو صار دمًا، قادرٌ على أن يمسك قلبك بيدّه لكي لا تشعر حتى بوخزةِ ألم واحدة في صدرك!

إلى أمي، سيدّة قلبي، وكل أمهات العالم: كلّ عامٍ وأنتن نور قلوبنا الذي لا يخبو، كل عامٍ وأنتن تحكن الأمل ببسمةٍ منكنّ.. تكفي لأن تُعادل الدّنيا وما فيها. إلى من رقدّت أمهاتهم: كل عامٍ والسماء تحتفل بكّن طيور جنةٍ، كل عامٍ والسماءُ بكفيّها تلتقطكُن برحمتها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.