شعار قسم مدونات

كيف نستثمر القراءة؟

blogs - books
لا يشك أحد في كون القراءة تلك العين الثرَّة التي يقصدها طالب العلم، ليروي ظمأه المعرفي من خلال الانكباب على التراث الزاخر الذي تحتضنه المكتبات. ولا يشك أيضاً في قيمة الكتاب، تلك الفاكهة المستطابة التي تكون عادة خلاصة معارف المؤلِّف وعصارة خِبراته العلمية وتجارِبه الحياتية المرصوصة بين دفتي سِفره.. وكفى بها فائدة!

 

ولكي تؤتي هذه القراءة أكلها وتُجنى ثمارها، يجب أن تُوجَه توجيها حسناً وفق مفاهيم وآليات دقيقة تضمن للقارئ الاستفادة من المقروء، مما سيجعله يستفيد من المعلومات التي جناها خلال مطالعاته في توسيع مداركه وتمديد أفق خياله، وتطوير مهاراته اللغوية والفنية عموما، ولم لا تحسين سلوكه وفكره ونظرته للحياة!
 

إنَّ الكتب التي تملأ رفوف مكتباتنا تختلف شكلاً ونوعاً، وهذا التباين في الشكل والنوع هو ما يعطي للكتاب نكهته، في حين أنَّ قيمته الفنية والعلمية المعرفية يحددها الموضوع (أي القضية التي يتناولها الكتاب) من جهة، والأسلوب (أي كيفية تناول الموضوع، وطريقة بسطه وتحليله ومناقشته.. إلخ) من جهة أخرى.
 

كما أنَّ لاسم المؤلف التي يظهر على غلاف قيمة مضافة للكتاب، خاصة إذا كان موضوعه من جوهر اختصاص هذا المؤلِّف. ولاسم المحقِّق في كتب التراث خاصة، قيمة لا تقل عن قيمة اسم المؤلِّف نفسه!
 

للكتاب الورقي فوائد جمة منها أنه يوفر تواصلاً حسيّاً يسمح بالتجوال بين صفحات الكتاب بحرية أكثر، كما يسمح له بتقييد المعلومات المستفادة منه.

إنَّنا نهدف من خلال القراءة إمَّا إلى اكتساب الخبرة الأدبية لتطوير الملكة والأسلوب، أو إلى استخلاص المعلومات وتوظيفها توظيفاً حسناً في مقال أو دراسة أو بحث. ولحصول هذه الفائدة يجب إتباع بعض الآليات العامة؛ نذكر منها:
 

– الحرص على اختيار مكان هادئ ومريح للقراءة، بعيداً عن الضوضاء والضجيج اللذين يشوشان ذهن القارئ ويمنعانه من التركيز، وانتقاء مكان مضيء يسمح للعين أن تقرأ بكل أريحية.
 

– القيام ببحث تمهيدي عن الكتاب ومؤلفه، مما يساعد القارئَ على اكتشاف خلفيات النص الذي بين يديه، والظروف التي أحاطت بكل تفصيلة من التفاصيل التي تظهرها أو تخفيها السطور!
 

– القراءة من النسخة الورقية للكتاب ما أمكن ذلك، لأن للكتاب الورقي فوائد جمة منها أنه يوفر تواصلاً حسيّاً يسمح بالتجوال بين صفحات الكتاب بحرية أكثر، كما يسمح له بتقييد المعلومات المستفادة منه، وفوائد أخرى يكتشفها القارئ بنفسه عند معالجة أي كتاب!
 

– عمل بطاقة قراءة لكل كتاب على حدةٍ، مع تقييد الفوائد المنتقاة من كل مؤلَّف في كناشة خاصة، أو تقييد تلك الفوائد بقلم الرصاص مباشرة على حاشية الكتاب نفسه.
 

– اللجوء إلى القاموس بحثاً عن المصطلحات والكلمات المستعصية. ومن المستحب أن يعلِّم القارئ برمزٍ ما بجانب كل كلمة يمر عليها في القاموس.
 

– إعادة قراءة الكتاب مرات عدة تختلف بحسب نوع الكتاب وقيمته الفنية والعلمية، فبعض الكتب التعليمية "كالمتون مثلاً" يجب قراءتها؛ بل وحفظ مادتها!
 

– مذاكرة محتوى كل كتاب مع أصدقاء القراءة، وعمل ندوات مصغرة لمناقشة أفكاره وتقييم أسلوبه… وهكذا.
 

– فهرسة المكتبة (إن وجدت!) على حسب الموضوعات، وتسطير برنامج قراءة سنوي صارم، والتقيُّد بهذا البرنامج بتحديد ساعات معينة من اليوم (أو الأسبوع) للقراءة.
 

– محاولة قراءة الكتاب كاملاً من الغلاف إلى الغلاف، إلا في حالات استثنائية كأن يكون الكتاب عبارة عن موسوعة، أو جمهرة، أو قاموس لغة… وفي حالة الملل ينصح للترويح على النفس بممارسة القراءة الموازية، أي بقراءة كتابين أو ثلاثة في الوقت نفسه.
 

كما توجد آليات خاصة بكل نوع من هذه الكتب، تختلف من كتاب إلى كتاب، فإذا ضربنا مثالاً عن كُتُب الأدب، فيُستحسن أن يبدأ الناشئ بالقراءة للمعاصرين ثمَّ الأقدم فالأقدم، لأنَّ لغتهم قريبة من لغتنا، فكلما توغلنا في التاريخ ازدادت وعورة اللغة، واستخفاء المعاني.. وهكذا من زمننا هذا وصولاً إلى الأدب الجاهلي.

وأن يبدأ المرء بأمهات الكتب التي تطوِّرُ الملكة وتصقلها، وتوسع المدارك وتمددها، وتحسن اللغة والأسلوب وتعطي القارئ رصيداً معرفياً يتخمَّرُ مع الأيام ليلد جنين الإبداع، فيخرج مولوداً جديداً يزين سماء الأدب بأبهى حُلَّةٍ، وأجمل معنى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.