شعار قسم مدونات

الموصل بين وهج الماضي ووهن الحاضر

blogs- الموصل
علينا أولاً أن نسأل كيف تسير الأمور؟ هل ما تعانيه الأمة اليوم هو وليد اللحظة أم مخطط دقيق يُحاط بها وما هي جذور هذا المخطط؟ هل بدأ من سقوط دولة الخلافة وتفتيت إرثها المتمثل في العالم الإسلامي تحت مسمى "سايكس بيكو"؟ أم أن المخطط أقدم وأعقد لا يهدف إلى سيطرة النظام العالمي فقط، بل إلى نزع الهوية وتغيُّب العقيدة تحت ضغط عقيدة الصدمة وما يتعرض له المسلمون اليوم من حرب إبادة تحت دعاوى مزيفة إلا خير دليل.


فهل لنا رؤية الواقع دون معرفة كيف يتعامل عدونا مع تاريخنا، وسنشير اليوم إلى بقعة ملتهبة نتعرض لها دون غيرها نظرًا للتعتيم الإعلامي المُتعمد على الواقع المرير في هذه المنطقة إنها "الموصل" أو "ذات الربيعين" كما يطلق عليها.. تلك المدينة الموغلة في التاريخ فمن منا لا يذكر "نينوا" تلك البلدة الثى آمنت على بكرة أبيها "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ".


لم يعد الأمر الآن مسألة قطعة أرض في وطن محتل، بل أصبح أكبر بكثير، فالموصل بقعة مضيئة في التاريخ الإسلامي، وقد أصبح الأمر مسألة ثأر ومحاولة إخماد الشعلة المضيئة في تاريخها، والخوف من يقظة المارد الإسلامي الساكن داخل عزيمة أهل الموصل المستمدة من تاريخها وقادتها.

كانت للموصل مكانتها العريقة في التاريخ أبت إلا أن يُسطر تاريخُها فيه بماء الذهب، فهي معقل القادة وصناعة التاريخ المشرق، فكانت بداية التوسع للدولة الإسلامية من جديد، من بعد ما وصلت إليه من وَهَن وضعف (نتيجةً للحملة الصليبية الأولي آنذاك)، علي يد القائد الشهيد "عماد الدين زنكي" بعدما عُين أميرًا عليها بأمر من السلطان السلجوقي، الذي كان قائد جيشها قبل تولي الإمارة، فكان عونًا لحلب في معركتها الشهيرة ضد الصليبيين وفك الحصار لها.


كان هناك عالم آخر شكلي ورمزي للخلافة الإسلامية كالخلافة العباسية في بغداد، والفاطميين في مصر والدولة السلجوقية -بعد ضعفها- في أرض الأناضول "تركيا" وظهورهما في مظهر ديني ودور شكلي من باب أنه لا تزال هناك خلافة، فكان من الوهن -أيضًا- أن دفعهم ولاءهم الأول لكرسي الحكم، إلي الخيانة، ومهادنة القادة الصليبيين، وعقد الاتفاقيات معهم ضد المُدن الإسلامية الأخرى من باب الدفع لشرورهم ومن باب العداوة الثى كانت بينهم.


ذلك سطر من تاريخ بلدة ضربت جذور حضارتها في عمق التاريخ، فلم يكن العدوان الصليبي ليضرب قطعة أرض لمجرد أنها كذلك، أو لأنها مدينة باسلة صمدت أمامه لأعوام، أو لأنهم قالوا عنها الأقاويل في صمودها وكرامة شعبها، فالعدوان الأمريكي الصهيوصليبى درس تاريخ هذه الامة جيدًا وعرف من أين تُؤكل الكتف فالحذر كل الحذر من يقظة المارد الإسلامي الساكن داخل عقيدة أهل الموصل، المرتبطة بتاريخها الممتد من عصور الأنبياء وتاريخها في مواجهة دعاوى الاستعمار والسيطرة الصليبية ونجاحهم في الوقوف علي الثغر ضد هذه الهجمات.


من قال أنهم ينسون معركة "تل باشر" وإعاقتهم عن الزحف إلي حلب وردعهم عن التفكير في احتلال أي مدن إسلامية جديدة؟ فعدوك أدرك ودرس واستوعب تاريخك فأصبح يعرف عنك أكثر مما تعرف أنت عن نفسك.. لم يعد الأمر الآن مسألة قطعة أرض في وطن محتل، بل أصبح أكبر بكثير، فالموصل بقعة مضيئة في التاريخ الإسلامي، وقد أصبح الأمر مسألة  ثأر ومحاولة إخماد الشعلة المضيئة في تاريخها، والخوف من يقظة المارد الإسلامي الساكن داخل عزيمة أهل الموصل المستمدة من تاريخها وقادتها. 


كما حدث من قبل مع القدس وحلب والشام والقاهرة، وكل شعلة مضيئة في التاريخ الإسلامي يحاربونها الآن فكريًا، ليس من المفترض أن تكون الحرب جيشًا وقتالًا وتدميرًا لممتلكات، رُبما تكون الحرب فكرية تدميرية لمعتقدات وأفكار تحت مسميات مثل "استشراق" و "علمانية" و و.. فهل العالم الإسلامي يسير على خُطى الأمراء القدامى المتخاذلين؟ يلقى بهم الولاء للكرسي وشغف المناصب تحت أقدام المحتلين والغاصبين؟


الموصل الحلقة المضيئة في الماضي، تنزف الآن، بعد أن أصبحنا نعيش في عصر التيه ننتظر قائدا لن يسمحوا بظهوره.

"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.