شعار قسم مدونات

علم نفس التدين (3).. الحب في الله والشذوذ

blogs - muslim man boy

تتواصل رحلتنا مع علم نفس التدين، حيث ما زلنا نستعرض بعض المظاهر المرضية التي تفسر على أنها من مظاهر التدين وهي بعيدة كل البعد عن التدين الحق:

 

9 – الحب في الله والشذوذ:

ربما يكون لي بحث كامل في مسألة الشذوذ الجنسي وسوء استخدام مصطلح الحب في الله في هذا المضمار، ولكن حتى يكون هذا المبحث كاملا فلا مانع من التعرض للمسألة بتلخيص لعلاقتها بما نحن بصدده.. فمسألة بدايات الشذوذ الجنسي بمعنى الميل النفسي الجنسي تبدأ بعلاقة وطيدة غير طبيعية بين طرفين من نفس الجنس تستخدم فيها عبارات الحب والغيرة التي لا يصح استخدامها إلا بين طرفين من جنسين مختلفين في علاقة حب..

 

إن البعض مع شذوذه وميله الجنسي لنفس الجنس قد يكون لديه أيضا ميل للجنس الآخر مما نسميه ثنائي الميل.. ولكن الخطورة أن يتدثر ذلك باسم الحب في الله أو القدرة على غض البصر في غير موقعها

ففي الظروف العادية تأخذ عنوان الصداقة ويحتمي أصحابها أو أطرافها تحت عنوان الصداقة، لكن الأمر بين المتدينين يكون أشد التباسا حيث يستخدم معنى "الحب في الله" في تبرير هذه العلاقة الملتبسة، فنجد قربا شديدا في العلاقة بين شابين أو فتاتين مع أحضان وقبلات وكلمات "حبيبي وحبيبتي" والتصاق جسدي متواصل تحت هذا العنوان.. مع غياب للحدود الشرعية في السلام باليد.. فالسلام دائما بالأحضان والقبلات وعدم مراعاة النوم في غطاء منفصل في الاعتكافات.. فالزحام مبرر للالتصاق أو غياب الغطاء المستقل أو إظهار الحب بمناسبة أو من غير مناسبة بين المشرف على الأشبال أو طلاب الثانوي من خلال التربيت على الأكتاف أو مسك الأيدي أو التعبير عن المشاعر بصورة مبالغة فيها..

 

يبدو الأمر بريئا وعلى مستوى الكلمات واللفتات.. ثم يتحرك الشيطان.. شيطان الشهوة والرغبة حثيثا وبدون التفات للأطراف مما يحدث.. فيكون الحديث في البداية عن شعور بالراحة عندما "أقترب من فلان" أو عندما "أحتضن فلانة أختي في الله ثم نبيت سويا ملتزمين بعضنا البعض طوال الليل وتتحرك أيدينا على أجسامنا في تواطؤ على الصمت ثم يتحول الأمر إلى عادة ثم إلى مصارحة في تبادل الأمر".. وليصاحب هذا الأمر في بعض الأحيان عدم رغبة في الجنس الآخر يترجم إلى عدم رغبة في النظر للجنس الآخر، فيتصور الشخص نفسه ممن يغضون أبصارهم ويأتي ليتحدث إليك عن نعمة غض البصر التي أنعم الله بها عليه فهو قد استطاع السيطرة على نفسه بحيث لم يعد يعاني من عدم القدرة على غض بصره أو غض بصرها والحقيقة أنه قد تحولت رغبته نحو نفس جنسه فلم يعد قادرا على الشعور بالجنس الآخر أو الاتصال به وهذه كارثة وليست نعمة كما يتصور أو كما يوهم نفسه..

 

وحتى تكتمل الصورة فإن البعض مع شذوذه وميله الجنسي لنفس الجنس قد يكون لديه أيضا ميل للجنس الآخر مما نسميه ثنائي الميل.. ولكن الخطورة كما أوضحنا ونلخص في النهاية أن يتدثر ذلك باسم الحب في الله أو القدرة على غض البصر في غير موقعها ومكانها حتى يتنبه الشباب أنفسهم والشابات وحتى يتنبه المربون والآباء والأمهات وحتى يوضع الأمر في نصابه الصحيح.

 

10 – القلق والرهاب نتيجة للخطاب الديني غير المتوازن:

هناك خطاب ديني شائع اليوم يقوم على الترهيب دون الرجاء وليته يقوم بالترهيب الإنساني الطبيعي كما قام به الخطاب القرآني أو الخطاب النبوي من خلال الأحاديث الشريفة.. ولكنه يقوم على قصص "أمنا الغولة".. وهي صورة من الخطاب شاعت في عصور الانحطاط الثقافي حيث شاعت القصص المختلقة ووصل الأمر الى اعتمادها رغم كذبها فيما سُمِّيَ بـ"مكارم الأخلاق"، وأعتقد أنها سقطة تاريخية في الخطاب الديني الإسلامي الذي كان يرفض أي صورة من صور الادعاء جعلت الرسول الكريم يقف يوم وفاه ابنه إبراهيم وقد تزامن معه كسوف الشمس فشاع بين الناس أن الشمس قد كسفت حزنا على إبراهيم.. فوقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رغم حزنه وألمه على فراق ابنه خطيبا في الناس لتصحيح المفاهيم ووضع الأمور في نصابها، ولم يقل "فليعتقد الناس ما يعتقدون" فهذا سيلقي في نفوسهم الهيبة والحب للرسول ولأهله، بل أعلن بكل وضوح أن الشمس والقمر آيتين من آيات الله لا يكسفان أو يخسفان لموت أحد، وسن الرسول صلاة الكسوف لهذه المناسبة تأكيدا على أننا بصدد ظاهرة كونية تستحق الخشوع بصدق بدون تخويف أو رعب.

إذن فالرسول الكريم لم يفعلها.. لم يلجأ إلى القصص الكاذبة أو المرعبة من أجل تخويف الناس وترويعهم فهو لم يأت لإجبار الناس على تقوى الله بإرهابهم.. وأحاديث النبي الكريم في وصف مشاهد يوم القيامة أو ما يحدث في القبر إذا قسناها لمجموع أحاديثه فسنجدها تمثل نسبة طبيعية ولم تقتصر أحاديثه كما يفعل البعض الناس على ذكر الموت والقبر ويوم القيامة.. بل أن أحاديثه جاءت عن تعمير الكون وعلى الالتزام بحسن المعاملة مع الناس، لأن هذا ما جاء الدين من أجله فكانت هي الغالبة.. لذا فإن عدم التوازن في الخطاب الديني السائد وغلبة التخويف والترهيب وغلبة رواية القصص الكاذبة المخيفة أوجد حالة مرضية من القلق الذي أصبح يصيب المتدينين مع نوبات من الرهاب، وقد يتطور الأمر إلى حالة من الوسواس القهري سواءً على مستوى الأفكار أو الأفعال.

 

إن أحدهم وقد جاءني في المركز يشكو القلق ونوبات الرهاب لأول مرة في حياته رغم تجاوزه الستين.. إلا أنه بعد بلوغه سن المعاش رأى أن يحسن علاقته بالله وتصور ذلك في مزيد من القراءات والأشرطة الدينية التي أصابته بالقلق والرعب رغم كونه متدينا طوال عمره، ولكن حالة التوتر التي يبثها هذا الخطاب مقروءا ومسموعا جعلته في حالة عدم اطمئنان مرضي.. لم يفلح معها إلا أن طمأنته أنه كان بخير ومازال بخير دون هذا الفزع والقلق.. أذكر هذه الحالة تعبيرا عن الظاهرة حتى نتبه لخطورتها وندرس كيفية التعامل معها.

 

مع العجز الاقتصادي عن مواجهة متطلبات المنافسة المظهرية سواءً على مستوى الملابس أو المكياج أو الاكسسوار، يكون النقاب هو الحل مع حماية شرعية أيضا تختفي وراءها الأسباب الحقيقية دون أن يجرؤ أحد على الإفصاح أو التساؤل عنها..

11 – النقاب كعرض لمرض الخوف الاجتماعي:

إن عدم القدرة على مواجهة الناس والتعامل معهم وعدم القدرة على إبداء الرأي في وسط مجموعة من الناس والإحساس بالحرج والتوتر عند التواجد في المواقف الاجتماعية كالحفلات أو المطاعم كلها من مظاهر ما نسميه الخوف الاجتماعي.. بعض الفتيات لجأن الى النقاب كحل هروبي من هذه المعاناة لأن الفكرة المسيطرة على البعض ممن يعانين من هذا المرض هو أن المشكلة في تعبيرات وجوههن أو في طريقة كلامهن أو إحساسهن أن الجميع ينظر إليهن بينما يتحدثون أو يبدين آراءَهُنَّ، لذا كان الحل عند هؤلاء الفتيات هو الاحتماء بالنقاب والاختفاء خلفه، وبذلك يحلون المشكلة من وجهة نظرهن، وبالتالي تصبح الفتاة أكثر قدرة على مواجهة المجتمعات؛ فهي إما تتحدث ولا يرى أحد تعابير وجهها أو طريقة كلامها، أو تنسحب ولا يلاحظ أحد انسحابها لأنها بالنقاب تعلن غيابها الذى لا يتساءل أحد عن سببه حيث يبدو النقاب سببا مفسرا في ذاته لمن يبحث عن تفسير..

 

ولذا فان إجابة الكثيرات ممن لديهن الشجاعة للاعتراف بالحقيقة عند سؤالهن عن سبب النقاب هو كلمة "أنه يريحني" أو "أنا مرتاحة كده" وفي صورة أخرى قد يكون صورة للانسحاب الاجتماعي عند العجز عن مجاراة المجتمع وهى درجة قد لا تصل الى الخوف الاجتماعي المرضي، ولكنها تشبهه في عدم القدرة على المواجهة لأسباب اقتصادية أو شكلية (مظهرية) فمع العجز الاقتصادي عن مواجهة متطلبات المنافسة المظهرية سواءً على مستوى الملابس أو المكياج أو الاكسسوار، يكون النقاب هو الحل مع حماية شرعية أيضا تختفي وراءها الأسباب الحقيقية دون أن يجرؤ أحد على الإفصاح أو التساؤل عنها..

 

والجدير بالذكر أن الخوف الاجتماعي ليس هو السبب الوحيد لاتخاذ النقاب حماية منه بل إن الاحتماء من ضلالات الإشارة مثلما حدث مع إحدى حالات الفصام الزوراني والتي امتنعت عن المرور في معظم الشوارع المحيطة بها لان كل الناس وأصحاب المحال والورش الموجودة في هذه الشوارع يشيرون إليها ويتغامزون ويتحدثون عنها ومع تحسن الحالة مع العلاج الدوائي حيث أصبحت الضلالات أقل رسوخا وقابلة للحوار حولها.. لجأت المريضة إلى النقاب، وعندما سألتُها عن الأمر ذكرت أنها وجدت في ذلك حلا لأنه بهذه الطريقة لم يتعرف عليها الناس في الشارع وبالتالي عادت للمرور بحرية في كل الأماكن والشوارع التي كانت تخشاها في السابق مقتنعة أن هذا هو سبب شعورها بتحسن حالتها وبقدرتها على مواجهة المجتمع.

 

12 – اللبس والمس:

ولابد أن نشير إلى مبحث هام في علاقة علم النفس والتدين وهو موضوع اللبس بالجن والعفاريت حيث اشار أحد الابحاث التي أجريت على مرتادي العيادة الخارجية بمستشفى المعمورة للطب النفسي أن ما يقارب من ٩٠٪ من المرضى قد توجهوا لما يسمى العلاج الروحاني لإخراج الجن والتخلص من المس حسب ما اوهمهم هؤلاء المدعون مما أخَّر علاجهم وزاد أمراضهم تفاقما.

 

ولذا فإننا كأطباء نفسيين ننفي هذا الأمر تماما لان كل ما يدعونه أنه أعراض للمس أو اللبس هي أعراض لأمراض نفسية يتم تشخيصها وفق محكمات علمية طبية. كما أن علماء أجلاء مثل الشيخ محمد الغزالي من أهل السنة، والشيخ حسين فضل الله المرجع الشيعي من المحدثين، والإمام ابن حزم الظاهري من الأقدمين؛ نفوا تماما ورفضوا فكرة المس مع إثباتهم وجود الجن كخلق من مخلوقات الله ولكن ليس لهم سلطان على البشر لكون الله قد سخَّر الكون كله ومخلوقاته للإنسان.

 

وبالنسبة للطب النفسي فإن التشخيص في معظم الحالات التي توصف بالمس أو اللبس هو أنها حالات هستيرية نتيجة تعرض أصحابها لضغوط نفسية تجعلهم يلجأون إلى حيل هروبية نفسية للحصول على ميزات تخلصهم من الضغوط التي يعيشون تحتها.

ورفض هؤلاء العلماء قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا رغم اشتهارها كأحد أسباب نزول المعوذتين، واعتبروا أن ما ذكر من تشبيه المتعامل بالربا كمن يتخبطه الشيطان من المس هو صورة من البلاغة المعروفة في لغة العرب. وبالنسبة للطب النفسي فإن التشخيص في معظم الحالات التي توصف بالمس أو اللبس هو أنها حالات هستيرية نتيجة تعرض أصحابها لضغوط نفسية تجعلهم يلجأون إلى حيل هروبية نفسية للحصول على ميزات تخلصهم من الضغوط التي يعيشون تحتها.

 

والتفاعل الهستيري التحولي يفسر بشكل علمي واضح كل الأعراض من إغماء أو تغير في الصوت أو الحديث بلغة غير مفهومة أو التشنجات التي تنتاب هؤلاء المرضى عند سماع القرآن أو الأذكار أو الأذان، ليكون الحسد هو آخر تفسيرات الناس للمرض النفسي وسببا للجوئهم إلى الشيوخ من أجل الرقية الشرعية في محاولة أخيرة لعدم الذهاب للطبيب النفسي لتشخيص المرض والاعتراف بالمشكلة الحقيقية.

 

ولنقول للمريض وأهله بأننا نعترف بالحسد وأثره لأنه أمر غيبي أثبته القرآن وهو يتكون من شقين؛ شق لا نعلم عنه شيئا وهو فعل الحسد وكيف يتم وهو ما وجهنا الرسول الكريم للتعامل معه بقراءة المعوذتين وآية الكرسي وغيرها من الأذكار، والشق الثاني هو الشر الناتج عن هذا الحسد والذي قد يكون في صورة مرض نفسي أو عضوي، وهنا نحن مطالبون أن نتعامل مع هذا المرض بأسبابه العلمية الطبية فنلجأ إلى الطبيب في علاجه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.