شعار قسم مدونات

العجلة العجلة يا رمضان

blogs شهر رمضان

منذ طفولتي وأبي يخبرني أنّك المخلص والمنقذ إذا تأزّم الموقف، يخبرني أنّك البداية إذا تعددت النهايات، وأنك المخرج إذا كثرت المتاهات، يخبرني أنّك الضوء الذي يداهم بقعة الظلام فينيرها ويبرز ما فيها من جمال وسحر.. فبتُّ أنتظرك عامًا بعد عام، أنتظر تلك الزهرة التي ستتفتح من بين الصخور وتنشر عبيرها ليعْلق بما حولها أطول فترة ممكنة تكفيها لتظلّ منتشية بهذا الطيب، ولكن يبدو أنّني لن أطيق الانتظار هذا العام، لذلك أطلب منك راجية أن تصل مبكرًا يا رمضان!

كلّ عام عندما يقترب وصولك، أضع لنفسي خطة تليق بك كي أبتدئ بها من الصفر، أواجه نفسي بأخطائي وزلّاتي وأستمد منك القوة كي أتخلّص منها، فتكون أنت الدّواء لكلّ الأسقام التي اجتاحت روحي طوال العام فتجمع شتات هذه الرّوح، وتلملم قطعها التي تناثرت منذ غيابك الماضي، وتكون الحِمية التي تزيح عن نفسي ثِقَل ذنوبها وعيوبها، وتُرجع لها رشاقتها فتغدو سعيدة مطمئنة ممتنةً لأيامك الثلاثين التي منحتها إياها.

لا تتعجب رمضان إن لم تجد الزّينة التي تجدها كل عام تزيّن نوافذ البيوت.. فبعض البيوت انهارت مع نوافذها وجدرانها فوق سكّانها، وبعض البيوت صارت مهجورة لأن أصحابها رحلوا مجبرين عنها.. وبعض البيوت غدت مقابر تحتضن جثث من عاش فيها بقهر

أنت الطمأنينة والأمان بالنسبة للكثيرين أمثالي، فأنت الفسحة التي تُمنحُ لنا بعد الضّيق كي نشعر بالراحة، لكن انتظارنا هذه المرّة مختلف يا رمضان.. فقد غرقنا بدمائنا مع ذنوبنا، وبظلمنا للآخرين مع ظلمنا لأنفسنا، غرقنا بدموعنا ومآسينا مع تقصيرنا، فصرنا ننتظرك لتخلّصنا من نفسنا ومن الكوارث التي صارت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا.. واثقين برحمات الله التي ستزيّن لياليك، وببركات دعواتنا التي ستعانق السماء، فنحن لا نملك حيلة سوى الدعاء.

ننتظرك لأنك الوحيد الذي بإمكانه أن يخلّصنا من الهموم التي علقت بأرواحنا بعد صور أطفال حلب وخان شيخون والموصل، الوحيد الذي يستطيع أن ينزع أشواك الألم المغروزة في قلوبنا بعد مناظر الدّمار في سوريا والعراق واليمن ومصر وفلسطين، والوحيد القادر على غسل ما لحق بنفوس بعض النّاس من خبث وقذارة فباتوا يقتلون باسم الدّين أهل الدّين ومن وصانا عليهم ديننا ! 

لا تتعجب رمضان إن لم تجد الزّينة التي تجدها كل عام تزيّن نوافذ البيوت.. فبعض البيوت انهارت مع نوافذها وجدرانها فوق سكّانها، وبعض البيوت صارت مهجورة لأن أصحابها رحلوا مجبرين عنها.. وبعض البيوت غدت مقابر تحتضن جثث من عاش فيها بقهر..  لا تتعجب إن لم تسمع وقع خطوات الأطفال وضحكاتهم بعد الإفطار، هم يلعبون الآن في الجنان، ولا تستغرب إن لم تسمع صوت الأذان يصدح من المآذن، فحتّى بيوت الله طالها التّدمير بلا أيّ رحمة!  أنت الوحيد الذي يقدر أن يزرع الأمل في داخلنا من جديد بأن نصر الله قريب.. فهلّا وصلت بسرعة وأسعفتنا رمضان؟! اللهم ربّنا بلّغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.