شعار قسم مدونات

التغريبة الأدبية قادمة!

blogs- الأدب

لطالما ألقت الظروفُ السياسية بظلالها على الأدب العربي. منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى اليوم. حيث بدأ الشعراء بالتعبير عن بيئتهم الجديدة، بأساليب لغوية مُبتكرة، أفضت إلى ظهور مدرسة جديدة، لها روادها، وخصائصها، وساهمت بشكل مباشر في إثراء الأدب العربي، وأضافت إليه لون آخر أكثر تَحرراً.

بَيْد أن حضور تلك المدرسة اقتصر فقط على الأمريكيتين، وأجزاء قليلة مِنْ أوروبا، ومَثَل رواد تلك المدرسة خليط مِنْ المهاجرين الشُّبان، من لبنان، وسوريا، وفلسطين والعراق، وبعض بلدان الشمال الإفريقي. كما أثرت أعمالهم الشعرية كثيراً في النهضة الأدبية في الشرق العربي. كـ جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا ابو ماضي، والكثير.


بالرغم مِنْ شحت الهجرات القديمة، مقارنة مع ما هو موجودٌ الآن ، إلا أن حجم التأثير الأدبي كان مهولاً. مما يُنبَّأ بموجة تجديد كبيرة، ستنقل الأدب العربي إلى فضاء آخر يصعب التنبؤ به. في ظل قساوة التجارب التي عاشها العنصر الإنساني، قبل
وأثناء وبعد هجرته.


اللغة تسابق الزمن، وكل يومٍ تَضمحل، فليس كلما يناسبُ البشر مِنْ بلدان، يقبلها الشِعر، والشعراء هم أول مَنْ يعود إلى الوطن، وأكثر مَنْ يتردد عليه، وأقرب مَنْ يُناجيه، وأصدقُ مَنْ يحدثه، ولكنهم أكذبُ مَنْ يُطمئنهُ عن حالتهِ.

فرواد أدب المهجر القديم، أو ما يمكن لنا وصفهم الآن (بالكلاسيكية) هاجروا إذعاناً لظروف شخصية. ذَهبوا ومِنْ خلفهم أوطانهم، لا تزال بخير، مُدنهم ليست أطلال. وشُعوبهم على قيد الحياة. لم يبيتوا ليلة واحدة في مُخيمات المفوضيات، لم ينتظر أطفالهم على موائد المنظمات.


سَلمت قلوبهم مِنْ رؤية الحافلات الخضراء وهي تُخلي المدينة، للمحتلين. لم يلتهم المُحيط قواربهم، لم يشاهدوا جثث ذويهم، وقد فَرقها المَوج بين شواطئ بلدان، ليصحبوا غرباء في مقابر شعوبٍ لم يحدقوا في وجوهها أحياء. 


وما أقسى أن تنام نومتك الأبدية، في أرضٍ لم تولد فيها، كيف إذا كانت أرضاً لم تطأها بقدميك. ولم يسعفك القَدر لتجرَ تَغريبتك البكر في شوارعها. مَنْ قال لنَا أنْ شمس الأوطان لا تَغرب فهو كاذب. هذا ما قاله لي عابروا الحدود عندما سألتهم، هل بينكم شاعرٌ؟ إذن ماذا سيقول هؤلاء عن تجاربهم؟ وماذا سيضيفون للأدب؟
وما قيمة ما سوف يقدمونه؟.


وعند محاولتي التأمل في المستقبل، مِنْ نافذة الكلاسيكين العرب، لَمْ أتجاهل أمراً مهماً ، هو أن هجرة الشِعر عادةً ما تكون أقسى مِنْ هجرات البشر، مِنْ حيث الشكل
والمضمون، فالقصيدةُ لا تتأقلم مع مُجتمع المنفى العُنصري. فهي تَحْمِل طبيعة أنثى. وإنْ لَمْ يبدو عليها ذلك في الوطن. واللغة لا تتردد في إظهار غيرتها مِنْ اللغات الأخرى. والصور الشعرية هنا عارية، ولا تليق بالمعاني المُحتشمة. فيظهر على الشاعرِ الكثير مِنْ التسرع. 


هنا بيئة الماديات، فالشعرُ عاطل عَنْ العمل، وصوته لَمْ يعد يصدرُ مِنْ الرُّوحِ، فهو بنظر هذا المجتمع المادي يشبه الأصوات القادمة مِنْ مقالب الخُردة، واللغة تسابق الزمن، وكل يومٍ تَضمحل، فليس كلما يناسبُ البشر مِنْ بلدان، يقبلها الشِعر،
والشعراء هم أول مَنْ يعود إلى الوطن، وأكثر مَنْ يتردد عليه، وأقرب مَنْ يُناجيه، وأصدقُ مَنْ يحدثه، ولكنهم أكذبُ مَنْ يُطمئنهُ عن حالتهِ.


أما تيار المجددين، فيذهب إلى أن كل التجارب الشعرية بمجموعها، مهمة بغض النظر عَنْ درجة جودتها. وتوافقها مع الخصائص التقليدية للمدارس الأدبية المشهورة. ويَرَوْن أنه مِنْ غير المنطقي التسرع في إطلاق الأحكام الغيبية، لأن مِنْ شأن ذلك التأثير على أطوار نشأة الحقبة الجديدة مِنْ الأدب. ويُحد مِنْ تحررها. 


إلى أي مستوى ينتظر جمهور الأدب العربي نتاج هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الأمة؟ ويفكر في أن يعشيها بأساليب أدبية بحتة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.