شعار قسم مدونات

بعيداً عن العاطفة!

sword

أذكر أن أستاذتنا، في السلك الإعدادي والثانوي، علمونا أن "الخلافة الأموية"، كانت شوكة في حلق كل الظالمين، وفتحت الأرض من مشرقها إلى مغربها، ونشرت الإسلام للكل، ونصرت المستضعفين، فقطعت وريد الفرس ودمرت الروم، فكنا نفتخر بذلك، ونرفع رؤوسنا وسط الأحزان، لقد كان لنا تاريخ! وسمعنا الكثير عن بطولات العباسيين، وكيف أنهم أرسوا ركائز الإسلام في عدة البلدان، وتعمقوا في العلوم والمعرفة، فأصبحوا شامة فوق الأرض، وضموا بين أحضانهم، العرب، والكرد، والهنود، والأمازيغ والترك والفرس، فقد أذاب الإسلام العصبيات وتخلص منها.
 

لكننا في الجانب المقابل، لم ندرس أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا وتقاتلوا فيما بينهم، ولم يعلمونا أن معاوية بن أبي سفيان، اغتصب الحكم وخاض حرباً شعواء ضد آل البيت، وبعدها أورث الحكم لولده يزيد الذي استمر على نهجه، وقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتكب مجازر عديدة في حياته، ولم يقرئونا أن الأمويين _باستثناء أفراد منهم_ قتلوا كل من رفض حكمهم، واغتصبوا أموال ونساء الديار الجديدة للإسلام، التي "فتحوها" بالسيف، متغاضين عن كل آيات عدم الإكراه على الدخول للدين، ولم نسمع يوماً أن العباسيين قتلوا بني أمية وذبحوا أطفالهم، حين استولوا على الحكم وبسطوا نفوذهم.
 

الوقائع التاريخية يجب أن نتعامل معها بعيداً عن أي عاطفة، وعن أي تحيز، نعم مكانة هؤلاء الأشخاص عظيمة، لكنهم بشر، وليسوا معصومين، أخطأوا مثلما نخطئ اليوم، وأخطاءهم يتحملون مسؤوليتها هم، وليس الإسلام، لذلك فإيضاحها، بشكل جلي وتبرئة الإسلام منها، خير من التكتم وترك الناس يقرأون ويبحثون إلى أن يعثروا على أن الصحابة، قتلوا الصحابة! وأن يزيد بن معاوية قطع رأس سبط خير البشر! فيصدموا.
 

الفتوحات الإسلامية لم تكن كلها لله، بل كان للمال والجاه حظ وافر منها ولعل كتب التاريخ؛ مثل تاريخ بن خلدون، تاريخ الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، تحمل الوقائع بتفاصيلها.

اعتبر أحد القادة العسكريين الإيرانيين ما تقوم به بلاده في سوريا، أنها "فتوحات إسلامية"، كما اعتبرت أمريكا غزوها للعراق تحريراً لها من "الديكتاتور"، وكما تعتبر اليوم قتل الشعوب بالطائرات، "محاربة للإرهاب"، مسألة عادية، الأقوى في أي زمن يفعل ما يشاء، ويسميه ما شاء، وبمساعدة بعض العلماء وكتاباتهم، تنقل إلينا أخبار مسها "جبروت السلطان"، ولعل السبب الذي جعل بن خلدون يضع قواعد علم العمران البشري، هي المعطيات التاريخية المغلوطة التي وجدها في كتب المؤرخين.
 

الدولة الإسلامية، بمعناها الحقيقي، توقفت مع تولي معاوية الحكم بالتسلط، بعدها -كما يقول أحد المفكرين-، صرنا نتعامل مع تاريخ المسلمين، وليس التاريخ الإسلامي، وحتى في فترة الخلافة الإسلامية، في عهد الراشدين الأربع، حصلت خلافات، وأخطأ البعض وأصاب الآخر، والإشكال الذي يعيقنا اليوم، والذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، ليس اختلافهم، فهذا أمر عادي، بل تقوقعنا بين نمطين من التفكير والاستمرار في ذلك الشيء الذي يبعدنا عن قراءة التاريخ، فلو اطلعنا عليه وحصل لدينا الوعي به سنتوصل، كما يقول الدكتور" محمد أمين الشنقيطي" في رسالته القيمة، "الخلافات السياسية بين الصحابة"، إلى ثلاث أمور أساسية، وهي: "وضع حد فاصل بين الوحي والتاريخ"، و"وضع حد فاصل بين المبادئ ووسائل تجسيدها التاريخية"، و"وضع حد فاصل بين مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ".
 

بقينا عالقين بين اتجاهين في التفكير، وكأن الصراع الذي قام بين "الأمويين"، و"الشيعيين"، ما يزال قائماً، وأعتقد أنه كذلك، فهذان النمطين، جعلوا رأس مالهم، في عدم الاطلاع، وفي الاكتفاء بالسماع، لتلخيص المسافة بينه وبين البحث، فقرروا أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وقد كان ما كان، ولا يجب الخوض فيه والحديث عنه، رضي الله الصحابة والتابعين.. نعم رضي الله عنهم أجمعين، لكن يجب التفريق بين مكانة الشخص واجتهاداته التي قد يصيب فيها وقد يخطئ. صحيح لم تكن نوايا كل المسلمين من وراء "الفتوحات" سيئة، لكن جل السلاطين كانت نواياهم سيئة، وما دام السلطان هو أداة التنفيذ والتشريع والقضاء، فقد وقعت زلات كثيرة، فكيف يعقل أن الأمويين الذين ظلموا المسلمين، ألا يظلموا غير المسلمين ويعتدوا عليهم!
 

يجب أن نقر بأن ما سمي بالفتوحات الإسلامية، لم تكن كلها لله، بل كان للمال والجاه حظ وافر منها، ولعل كتب التاريخ؛ تاريخ بن خلدون، تاريخ الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، تحمل الوقائع بتفاصيلها، وتذكر أن العرب، غزو البلدان، لاغتنام المال وسبي النساء، وأرغموا سكان تلك المناطق على دخول الإسلام، هذه الوقائع لا يتحملها الإسلام، بل يتحملها سلاطين ذاك الزمان وعلماء بلاطهم، فالدين لا يمكن أن يتمدد بالإكراه عليه، أو بإجبار الناس على أن يدخلوا فيه، وهذا ما ميز الإسلام عن باق الديانات، فرغم الزلات التي ارتكبها بعض المسلمين، إلا أن هناك بلدان دخلها الإسلام عبر تجار بسطاء، أبهروا الناس بأخلاقهم، فكانوا دعاة صامتين.
 

هناك أمور كثيرة يجب أن تصحح لدينا، لفهم الوقائع التاريخية، ولما تقاتل الصحابة والتابعين فيما بينهم، ولماذا تم غزو بعض البلدان وإجبار الناس على دخول الإسلام، هذا التصحيح لن يتأتى إلا بالوعي التاريخي وترك العاطفة جانباً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.