شعار قسم مدونات

في المسجد الأقصى كان لقاؤنا!

مدونات، الأقصى

لقد قادني غضبي وغيرتي في أحد الأيام لأستكشف كيف يكون الأقصى في أوقات الاقتحام رغم أنني كنت أراه صامدًا، كان يعجبني شكله، قوته، صنوبره، رائحة مسك سجادّه، قبابه، ساحاته، تقاسيم وجه الذين ينادون عليه دومًا، الذين يصلّون خلف إمامه، صدى حناجرٍ بعيدة تأتِ من خلف السّور تطلب من شمسه "حُرية"، الحرية التي لا نراها مُطلقًا حينما يتحول لون السّماء، ينقلب لون الضباب إلى غيومٍ لا تُمطر حين تدّق أبوابه عُصيهم، حينما تخطو أرجلهم بالعقدة الأولى من باب المغاربة، باب السلسلة، باب القطانين، باب المجلس، كل الوجهات، كل الأبواب، كل بوصلة في هذه الأرض لا تُشير إلا إلى المسجد الأقصى.

بدأت وجهتي من باب المجلس، باب الناظر في روايةٍ أُخرى، أخذوا مني بطاقة هويتي وأعطوني رقمًا تسلسليًا ليس له أهمية ولا حتى منطق لأعود لهم، كي لا يطول مكوثي هناك وأعود طالبًة إيّاها.. مشيت في ساحات المسجد الأقصى، في كل خطوة ترافقني صور القباب، المآذن، حنفيات الماء التي تروي عطشنا التي لا تشبه طعم أي ماء آخر، وصلتُ للمسجد القبلي، صلينّا العصر وخرجنا بعدها وجدنا مجموعة من الجنود الذين لم نسلم من أغلاطهم اللفظية ولم يسلموا هُم من عُمق حبنا فكانت إجاباتُنا متنوعة ترضي جميع الأذواق، تلك الملاسنات ولدّت بداخلنا غضبًا آخر فوق غضبنا، فأخذنا نهتف ونهتف حتى وصلنا لمكان مليء، يعجّ بالسياح والمستوطنين، غطيّنا وجوهنا وبقينا نهتف، نعلي أصواتنا، وكلّما اقتربنا منهم ميلًا أبعدوا عنّا عشرة!

الأقصى رسالتُك، بوصلتك، الأقصى أنت، خيالك، انعكاس انسانيتك، تقاسيّم شبابك، تجاعيد شيخوختك، صمود بيتك، إرادة قلبك أمام اليّهود

كنت أعلم بجُبنهم، ولم أتوقع لوهلة بأنّ "مجرد هتاف" نزفّهم به حتى باب السلسلة كان سيخرجهم من المسجد الأقصى! يتعرّض الأقصى كل يومٍ تقريبا وفقًا لتقسيمه الزماني والاقتحامات صهيونية وفقًا لخططهم حيث يحددون ساعات معينة يعتقدون فيها أن الأقصى خالٍ، حتى الآن دخلوا ساحاته، دنّسوا حجاره بدّعسة أقدامهم، واجههم شباب بحجرٍ وضعه على باب المسجد القبلي ونجح!
 
صرّت أعرف بعدها، لماذا حينما أرى طيف قبابه من بعيد، من أي سطحٍ عالٍ أشعر بصوته يُناديني، ينطق باسمي، أنا التي أصبحتُ آخذ جميع الزّوار من كل المناطق إلى الأقصى، نُصلّي، يصيبُني الوجع كلّما رأيته فارغًا، تشملني الصدفة بأن أمُرّ بابه، أرى طيفه خلفي فأهدأ، أنا تلك التي تكفيني صلاة واحدة فيه حتى ينجلي صدري، حتى أنسى همومي، كلّما ناداني الأقصى لصلاة، قرأ الإمام فيها سورة تُجيب عن أسئلة كانت تُضايقني، كلّما ناداني الأقصى أراني خلفه لكنني لا أُريد إلا أن أكون أمامه، بجانبه!

-إلى اولئك الذين لا يحقّ لهم أن يتأرجحوا بأقدامهم على طُهرهِ.
"إلكم حساب وإلنا الله".
-إلى اولئك الذين يقفون على قيد الأقصى، اولئك الذين لا يزورونه ولا يعرفونه حتّى.
"لستُم رجال الدّار".
-إلى اولئك الذين يحبّونه، يقف الأقصى في قلبهم.
"الأقصى رسالتُك، بوصلتك، الأقصى أنت، خيالك، انعكاس انسانيتك، تقاسيّم شبابك، تجاعيد شيخوختك، صمود بيتك، إرادة قلبك أمام اليّهود".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.