شعار قسم مدونات

غزة ما بعد الأرقام

blogs - gaza

في توصيف الحالة التي يعيشها أكثر من مليوني مواطن فلسطيني يقطنون على شريط ساحلي ضيِّق يُسمى غزَّة، لا يكفي بيان صادر عن المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، "نيكولاي ملادينوف" والذي يقول في أجزاءٍ منه: "إنني أتابع بقلق بالغ التوترات المتزايدة في غزة. لقد عايش الفلسطينيون في غزة أربعة صراعات على مدى العقد الماضي، دون حرية، وبقيود إسرائيلية غير مسبوقة، وأزمة إنسانية خطيرة، ومعدلات بطالة مرتفعة، وأزمة كهرباء مستمرة، وانعدام أفق سياسي".

 

هذه التصريحات لا يعتبرها الفلسطيني إلا كونها تأتي في سياق "دموع التماسيح" التي لن ترفع ظلماً عنهم مثل كونها لم تُعِد لهم وطنهم المسلوب منذ عقود من الزمن، بل إنها تصريحات مسؤولين تنشطُ عادةً حينما يحطون رحالهم داخل الأراضي الفلسطينية، وبعدما يغادرونها على عُجالةٍ من أمرهم "تعود ريما إلى عادتها القديمة" وتضعُ داخل الغرف المظلمة أيديها في يد الاحتلال الإسرائيلي، فتتبادل الضحكات معه بينما تشاهد فصول مخططاته للقضاء على ما تبقى من نفسٍ يتحرك في جسدٍ فلسطيني أنهكته السهام التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي والكثير من الخناجر العربية التي تتسابق على ظهره الدامي.

 

في قطاع غزة يعاني ما نسبته 72% من العائلات الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، بمعنى أن الأب يبقى هارباً من بيته لا يعودُ له إلا بعد تأكده من نوم أطفاله خشية سؤاله عن وجبة العشاء التي أحضرها لهم.

إن من يرغب بمعرفة نتيجة أي معادلة رياضية لا بُد له من معرفة المقدمات حتى تقوده إلى نتائج دقيقة وصحيحة، وهذا تماماً ما ينطبق على حالة قطاع غزة في العام 2017، وذلك بعد أكثر من عِقدٍ متواصل من الحصار والتآمر والتخطيط لإغراقه ليس بماء بحر غزة كما أعلن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" ذات مرة، وإنما بأزمات الواحدة تلو الأخرى لا ترى اعتباراً لبشرٍ يسكنون في هذا القطر الضيق أو حتى حيوانات.

 

المقدمات في غزة تتحدث عنها الأرقام التالية "التي صدرتها تقارير ووثائق لمؤسسات دولية وكبيرة"، وسأكتفي بذكر البعض منها ولن أتمكن من ذكرها كلها:

 

1- نسبة الفقر في قطاع غزة تتجاوز 65%، بينما نسبة البطالة فتتجاوز 43% بشكل عام، لترتفع في أوساط الشباب الفلسطيني عماد نهضة أي مجتمع من المجتمعات إلى 63.8%.

 

2- في قطاع غزة يعاني ما نسبته 72% من العائلات الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، بمعنى أن الأب يبقى هارباً من بيته لا يعودُ له إلا بعد تأكده من نوم أطفاله خشية سؤاله عن وجبة العشاء التي أحضرها لهم.

 

3- الأمر لا يقتصر على الطعام فقط، فهناك 4600 عائلة في قطاع غزة ما تزال مشردة بلا مأوى حتى الآن بفعل الاعتداءات المتكررة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي عليها ومنع مواد الإعمار من الانسياب للقطاع بالشكل الطبيعي لإنجاز الإعمار، وبفعل ذلك أيضا فإن 5000 عائلة لا تزال تعيش في خيام أو بيوت من البلاستيك.

4- وبلغة الأرقام أيضا، فإن 85% من عائلات قطاع غزة تعتمد على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، ويعيشون في بقعة من الأرض نسبة المياه غير الصالحة للشرب فيها تتجاوز 95%.

 

5- وفي مسألة الكهرباء فلها صورة أخرى يدركها أهل قطاع غزة جيداً، فساعات قطع الكهرباء اليومية تزيد عن 16 ساعة في اليوم الواحد.

 

6- في "مقدمات معادلة غزة" لا يُستثنى المرضى، فالقطاع الصحّي يُعاني منذ سنوات من نقص الأدوية والمستهلكات الطبية بعجزٍ يصل إلى 30% شهرياً، وأنين المرضى يتواصل ولا بوادر لإدخال الدواء لهم.

 

7- البطالة وارتفاع معدلات الفقر خلقت متغيراً جديداً حتما سيدفع لنتائج لم تكن في الحُسبان، فما نسبته 70% من طلبة الجامعات الفلسطينية غير قادرين على سداد رسوم الدراسة، وحين مقارنة النسبة مع انتشار التعليم في فلسطين وكونها ثاني دولة عربية في هذا المضمار، فالرقم المتعلق بالرسوم حتماً سيلعب عما قريب في النتيجة المتوقعة من طلبة غزة.

 

أثبت أهل غزة في أكثر من مرة أنهم كرامٌ لا يرضخون أبداً إلا لله تبارك وتعالى مهما كلفهم ذلك من ثمن، والذي لم يدرك ذلك فليقرأ التاريخ ويختصر الكثير من الوقت والجهد.

8- على الصعيد الاجتماعي أرقامٌ أخرى ترسم مشهد الألم، فاعتداءات الاحتلال على غزة جعلت أكثر من 20 ألفاً من أطفالها ضمن قوائم الأيتام، واشتداد الفقر والبطالة انعكس سلباً على نسب الزواج والطلاق، ففي العام 2016 تم تسجيل 3188 حالة طلاق في غزة بنسبة تقارب من 16.6% مقارنة بالعام الذي سبقه 2015، بينما تراجعت معدلات الزواج بـ8%، والكثير من الخبراء أرجعوا غالبية تلك الحالات كنتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية، وقائمة ذوي الإعاقة ارتفعت أعدادها كذلك بارتفاع اعتداءات الاحتلال فبات عددهم 44 ألف حالة، في رقم يشكِّل ارتفاعاً واضحاً بالمقارنة مع أعداد سكان قطاع غزة.

 

9- في الآونة الأخيرة اتخذت السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة "فتح" سلسلة من الخطوات التصعيدية ضد قطاع غزة، فقلصت من رواتب عشرات آلاف الموظفين المستنكفين عن العمل منذ عشر سنوات بطلب منها، وقلصت أعداد المستفيدين من ميزانية الشؤون الاجتماعية، وهناك أحاديث عن خطوات أخرى بهدف الضغط على حركة "حماس" لتسليم قطاع غزة بأي ثمن. باختصار، فإن هذه الخطوات تعني رفع نسبة الأرقام سابقة الذكر لتصبح وطأتها أشد على المواطن الفلسطيني في غزة.

 

إن كل رقم من الأرقام سابقة الذكر يحمل في طيّاته الكثير حول مستقبل الحالة التي يمكن أن تكون عليها المنطقة برُمَّتها، وليس قطاع غزة وحده، فزيادة طفيفة لنسب تلك الأرقام ستكون كفيلة بانفجار لا تُحمد عُقباه، وهو انفجار سيتمدد تماماً كالحمم البركانية، ولن يختار ما يأكله بينما يمضي في طريقه، فلا السلطة الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي وربما جيران غزة من العرب سيكونون بمنأى عما سيحدث.

 

إن أفضل طريقة ممكنة لتجاوز مخاطر انفجارٍ أكيد يخرج من غزة "صغيرة المساحة كبيرة الفعل والأثر" لا يكون إلا بالعمل الفوري على منحها حقوقها الإنسانية استناداً على مبادئ حقوق الإنسان التي أقرَّتها الشرائع والمواثيق الدولية، وعدم التعامل معها بالدونية والفوقية من أي طرفٍ كان، خاصة وأن التاريخ أثبت في أكثر من مرة أن أهلها كرامٌ لا يرضخون أبداً إلا لله تبارك وتعالى مهما كلفهم ذلك من ثمن، والذي لم يدرك ذلك فليقرأ التاريخ ويختصر الكثير من الوقت والجهد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.