شعار قسم مدونات

الاستفتاء التركي.. النّصـر المُخيِّف

blogs الاستفتاء التركي

لقد قرر الأتراك حسم معركة الاستفتاء الدستوري التي شهدتها تركيا يوم 16 أبريل بعد أن صوتوا بنعم لصالح التعديل الدستوري الذي سيمنح صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، وإلقاء النظام البرلماني الذي كان سائد في تركيا لأكثر من قرن من الزمن. ستتحول تركيا من تاريخ الاستفتاء إلى الجمهورية الثانية، جمهورية أردوغان، بعد أن عاشت كل هذه العهود في جمهورية أتاتورك العلمانية.

إن أنصار التعديل الدستوري لقد انتصروا لكنه انتصار غير معزز، بل انتصار بطعم الخسارة لأن هذه النسبة الـ52بالمئة لا تمثل نسبة جيدة لتعديل دستوري مقابل 48بالمئة من الذين رفضوا هذا التعديل، إنها نسبة خطرة، ومخيفة في نفس الوقت. قد تكون هذه النسبة جديد إذا كانت انتخابات عادية رئاسية، أو برلمانية لأنها يمكن أن تتعدل في السنوات القادم بعد التجديد الانتخابي مرة أخرى، ويمكن أن تزيد لصالح الحزم الحاكم، أو يعاقب بسوء الإدارة ويمنح المواطنون أصواتهم للحزب المنافس، لكن هذا استفتاء لعقد اجتماعي دائم، ويشمل كل الشعب، وتطبيق بنود الدستور لا تقتصر على من صوت بنعم، أو من صوت بلا.
 

بعد المحاولة الانقلابية في صيف العام الماضي التي أسقطها الشعب التركي اتجه الرأي العام التركي للاقتراب أكثر من الحكومة، ووجدت حكومة العدالة والتنمية دعم داخلي منقطع النظير، واستثمر الحزب هذا الدعم ومرر التعديلات الدستورية

إن نسبة 48بالمئة رفض نسبة كبيرة جداً، وهذه قد تمثل نصف الشعب التركي. وهنا كيف يمكن تطبيق بُنود دستور صوت نصف الشعب ضده؟ إن المستقبل المنظور سيجب على هذا السؤال الجوهري، بل المحوري الذي سيطرحه كل مراقب للشأن التركي، لأن هذه النسبة يمكن أن تزيد في القريب؛ إذ نجد أن أهم المُدن التركية صوتت بلا ضد هذا التعديل، وعندما نتحدث عن مُدن مثل إسطنبول، وأنقر، وإزمير، وديار بكر نحن نتحدث عن تركيا بأسرها، هذه المُدن تشكل الكثافة السكانية لتركيا ربما تشكل 70بالمئة من إجمالي سكان تركيا.

لماذا لم تصوت المُدن الكبرى لصالح التعديل؟ 
بعد المحاولة الانقلابية في صيف العام الماضي التي أسقطها الشعب التركي اتجه الرأي العام التركي للاقتراب أكثر من الحكومة، ووجدت حكومة العدالة والتنمية دعم داخلي منقطع النظير، ربما لم تحظى به أي حكومة من قبلها، لقد استثمر الحزب هذا الدعم ومرر التعديلات الدستورية بدعم من حزب الحركة القومية، والذي دعم التعديل الدستوري إلى الآخـر، ولم يتنصل منه، لكن عندما نرى نتيجة التصويت اليوم نجد أنها النسبة ذاتها التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2015 المُعادة، وربما نتيجة الانتخابات كان أعلى من هذه النتيجة بحوالي 07 بالمئة وهذا يعني أن قواعد حزب الحركة القومية لم يصوتوا حسب توجيهات حزبهم بل صوتوا ضده تماماً لأن أصوات الاستفتاء الذي جرى تمثل قاعدة حزب العدالة والتنمية، ولم نرى أي أثر لحزب الحركة القومية وهذا يظهر أن ثمة هوى بين حزب الحركة القومية وقاعدته الانتخابية، أو لم يستطيع إقناع هذه القاعدة بالتصويت بنعم، وهذا ما ظهر تحديد في مدينة إسطنبول التي للحزبيين أكثر من نصف قاعدتها الانتخابية إذا ما قُورنا بأخر انتخابات، وذات الشيء أيضاً ينطبق على أنقرة.
 

بعد هذا الاستفتاء ستتحول رئاسة حزب العدالة إلى أردوغان، ويجب أن ينظر للأحزاب بعين الشركاء لا بعين الأعداء، وهو له من الذكاء والحنكة ما يكفيه، وأن يعود إلى عملية السلام التي أطلاقها مع الأكراد ومع زعيمهم عبد الله أوجلان

أيضاً هنالك 07بالمئة من قاعدة حزب العدالة والتنمية لم تظهر أصواتها فهي إما صوتت بلا وتكون هذه خسارة للحزب، أو لم تصوت من أساسها بسبب الضخ الإعلامي المستمر لعدة أشهر والذي أظهر أن نتيجة التصويت شبه محسومة لمعسكر نعم الذي يدعمونه. أما المدينتين الأخريتين فتاريخياً لا تمثل خزان انتخابي بالنسبة للعدالة والتنمية لأن ديار بكر معقل الأكراد والتي درجت تصوت لحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العدالة والتنمية ليس لديه فيها نسبة كبيرة ربما 1بالمئة او أقل، وأزمير فهي الأخرى معقل العلمانيين وتصوت عادةً لحزب الشعب الجمهوري؛ سِواء الانتخابات الماضية التي شكلت فيها استثناء عندما صوتت لحزب العدالة والتنمية، ربما هذه المرة الوحيدة التي خرجت فيها من حزب الشعب الجمهوري. 

ما المطلوب في المرحلة القادمة من حزب العدالة والتنمية؟
بعد هذه النتائج الغير جيدة رغم نجاح مسعى الحزب في تعديل دستور البلاد وتحويل نظام الحكم فيها من برلماني إلى رئاسي، يجب أن يمد يده للأحزاب المعارضة وخصوصاً الشعوب الديمقراطي في التقدم في عملية السلام، والقضية الكردية التي تشكل معضلة لتركيا، وإن لم تُحل هذه القضية فإن وحدة تركيا مهددة إما بالتقسيم، أو بالحروب الاستنزافية.

أعتقد بعد هذا الاستفتاء ستتحول رئاسة حزب العدالة إلى أردوغان، ويجب أن ينظر للأحزاب بعين الشركاء لا بعين الأعداء، وهو له من الذكاء والحنكة ما يكفيه، وأن يعود إلى عملية السلام التي أطلاقها مع الأكراد ومع زعيمهم عبد الله أوجلان، وأن ينظر للنسبة الكبيرة التي لم تصوت لصلاح الدستور بعين الاعتبار، وهذا ما سيفعله بالتأكيد ولقد صرح به عقب إعلان نتيجة الاستفتاء، لكن المؤكد هو أن هذه النتيجة لم تسُرّ أردوغان ولا حتى أنصاره، بل أظهرت انقسام داخل تركيا يحتاج إلى معالجة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.