شعار قسم مدونات

الدين واحد والرب واحد

blogs - prayer
في لقاء أسبوعي مع بعض الأصدقاء الأتراك الذين يعرفون اللغة العربية تطرقنا للحديث عن دين (الإسلام)، فقلت لهم إن قول الله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} خبرٌ، والأخبار لا يطرأ عليها النسخ ولا تتأثر بتبديل الشرائع بين نبيٍّ وآخر. فالأخبار تدخل في دائرة الصدق أو الكذب، ولا تدخل في دائرة الناسخ والمنسوخ، ومن ثم فإن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح والمقبول عند الله تبارك وتعالى في كل العصور، وعندما ذكرت لهم أن مصطلح (الديانات السماوية) مصطلح غير صحيح ولا ينبغي ترديده.. تعجبوا من كلمتي هذه وكأني استحدثت شيئا من عندي.

 

ولكني لم أُفاجأ بتعجبهم هذا، حيث هذا ظن أكثر الناس -بل- وقع في هذا الخطأ كثير من المحسوبين على العمل الدعوي والمنتسبين للحركة الإسلامية.

 

حتى فرعون عرف هذه الحقيقة ونطق بها: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولم يقل [وأنا من اليهود].

والناظر في آيات القرآن الكريم يجد وضوحا تاما في أن الله عز وجل ما أرسل رسولا بدين سوى الإسلام، وهذا السرد الذي سأسرده من آيات، لا تحتاج إلى شرح ولا بيان بهذا الصدد.

– يقول تعالى عن نوح عليه السلام: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

– وعن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}.

 

– وعن يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}.
– وفي رسالة سليمان عليه السلام لملكة سبأ: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {31} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.
– وعندما أرادت الملكة بلقيس اتباعه قالت: {… وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
– وعن موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}.

 

– وعن عيسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
– حتى فرعون لعنه الله عرف هذه الحقيقة ونطق بها: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولم يقل [وأنا من اليهود].
– والجن كذلك يعرفون أنهم فريقان فقط (مسلمون وكفار) حيث قالوا: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}.

 

ولذلك اعتبر الله عز وجل أنّ الكفر برسول واحد كفر بجميع الأنبياء والمرسلين كما هو واضح في سورة الشعراء حيث قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ}، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}. رغم أن كل قوم قد بُعِثَ فيهم رسول واحد فقط.

 

وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}.

 

لا يجوز بحال من الأحوال أن يدَّعي أحد الإيمان والتوحيد ثم تبدر منه إساءة في حق نبي من الأنبياء فضلا عن أن يَكفُرَ به أو يَجحدَ نُبوّتَه، ومن يفعل ذلك فهو كافر بالله جل وعلا خالدٌ في النار أبدا

وقد روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار" وهذا الحديث نَصٌّ قاطع في أن من لم يؤمن بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام فهو من أهل النار.

 

والواجب على المؤمنين أن يقولوا: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يدَّعي أحد الإيمان والتوحيد ثم تبدر منه إساءة في حق نبي من الأنبياء فضلا عن أن يَكفُرَ به أو يَجحدَ نُبوّتَه، ومن يفعل ذلك فهو كافر بالله جل وعلا خالدٌ في النار أبدا، لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بعد موته.

 

وهذا الدين الذي أرسل الله تعالى به الأنبياء والمرسلين له أصول وله فروع، فالأصول المتعلقة بالإيمان وأركانه متفق عليها بينهم، ولكنهم يختلفون في الفروع والتشريعات العملية، وأهم ما برز فيما اتفقت عليه دعوات المرسلين هو الدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}، وكما تكررت على لسان الأنبياء في سورتي الأعراف وهود وغيرهما: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ}.

 

وقد لخَّص النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بقوله: "الأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ، أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى، ودِينُهُمْ واحِدٌ" (رواه البخاري ومسلم) وقوله: "أولاد علّات" أي أنهم من أب واحد وأمهات متعددة، كناية عن وحدة دينهم وتعدد شرائعهم.

 

الخلاصة:
1- الدين الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب هو دين الإسلام، ولا يوجد شيء اسمه (الديانات السماوية)، والباقي إما شرائع ورسالات سماوية أصلها الإسلام، لكنها حرفت وبدلت كما حدث مع اليهود والنصارى، فلم تعد دياناتهم سماوية، وإما ديانات أرضية باطلة لم يزعم أحد أنها سماوية إلا بعض شُذَّاذ أتباعها كما هو شأن العلمانية والاشتراكية وأشباههما، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

2- الكفر برسول واحد = كفر بجميع الأنبياء = كفر بالله جل وعلا.
3- كل من كفر بالنبي محمد من اليهود والنصارى وغيرهم كفار بالله سبحانه وهم مُخلَّدون في النار لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم إذا ماتوا على ذلك.
4- دعوة الأنبياء جميعا كان أصلها التوحيد الخالص لله جل وعلا، فلم يقل نبي قط أن الله ثالث ثلاثة بل قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}، ولم يزعم رسول قط أن عيسى ابن الله فقد قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.

 

وهذه هي عقيدة المسلمين التي اتفق عليها الأئمة على مرّ العصور، لم يخالف أحد منهم في حرف واحد منها، ورغم ذلك حافظوا على حقوقهم المتمثلة في قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} والبر: حُسن الخلق، والقسط: العدل.

ومن أراد التوسع والتحقق فليرجع لكتاب (الرسل والرسالات) للدكتور عمر الأشقر رحمه الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.