شعار قسم مدونات

حين تُقهر الشعوب

blogs - revolution

ينتابك الحزن وأنت تستعرض الأحداث الدامية التي تعرضت لها الشعوب العربية إبان ثورات الربيع العربي حين فكَّرت بكسر حاجز الصمت ضد أنظمتها القمعية التي تلبست عباءة العهر الديمقراطي.. الجمهوريات الدكتاتورية التي استخدمت كل وسائل القمع والأجهزة البوليسية لكبت حريات وإرادات الشعوب العربية للبقاء في سدّة الحكم وتوريثه لعقود من الزمن، سَلَبَت خلالها حريات وكرامة شعوبها..

 

كُسر حاجز الصمت والخنوع وانتفضت الشعوب في مطلع العام 2011م ، ابتداءً من تونس ومصر مروراً بسوريا وليبيا واليمن بثورات ربيعية شبابية سلمية هزت عروش الطغاة، ومرَّغت كرامة حُكَّام الأنظمة الفاسدة في التراب، لكنها بذلك دفعت ولاتزال تدفع ثمناً باهظاً في اقتلاع تلك الأنظمة المتجذرة في أعماق الأرض..

 

ذات السلاح الذي تكدَّس في مخازن الأنظمة خلال الحقب الماضية؛ تحوَّل وبالاً على الشعوب المغلوبة ويفتك بها من البرّ والبحر والجو، وهي التي كانت قد هلَّلت وكبَّرت واستبشرت خيراً حين تم شراؤه على أساس حمايتها.

سقط على مدار سبع سنوات مئات الآلاف من الابرياء بين قتلى وجرحى، وغيَّبت السجون آلافاً آخرين من المخفيين قسراً فيما هُجِّر الملايين مِمَّن نزحوا هروبا من ويلات الحروب إلى معظم أصقاع المعمورة، كل هذا بأيادي وسلاح جيوشها التي تشكَّلت وتمَّ تسليحها من عَرَق الشعوب وعلى حساب أقواتها الضرورية التي حُرمت منها على مدار عقود، بحُجَّة بناء جيوش قوية تحمي بلدانها وتحمي كرامتها من أي خطر يهدد حدودها، لاسيما والأطماع الخارجية والمؤامرات تتربص بها من جميع الجهات لاستغلال ثرواتها.

 

ذات السلاح الذي تكدَّس في مخازن الأنظمة خلال الحقب الماضية؛ تحوَّل وبالاً على الشعوب المغلوبة ويفتك بها من البرّ والبحر والجو، وهي التي كانت قد هلَّلت وكبَّرت واستبشرت خيراً حين تم شراؤه على أساس حمايتها.

 

من السهولة بمكان انجرار الشعوب العربية نحو العاطفة الفطرية وسرعان ما تنجذب للخطب الجياشة الممتلئة بالألفاظ ذات الأصداء الرنَّانة، كالقومية، والعروبة، والدين، والعقيدة، وحُبّ آل البيت، والتي أتقنت استخدامها أجهزة السلطات القمعية لتعزف على وترها الحساس سيمفونية القمع والاستبداد وكبت الحريات والتوريث موهمةً شعوبها بأنها حامية الحمى وقاهرة الأعداء. وانطلت للأسف تلك الألاعيب على الشعوب وبإتقان منتظم، فشلَّت حركة نهوضها وبناء أوطانها وضمان رفاهيتها رغم ثرواتها المهولة.

 

بدا جلياً على تلك الجيوش التي تحولت إلى مليشيات بيد الحاكم العابث ممارستهم لعدوانية متصاعدة نحو من خرجوا ينشدوا التغيير لتعصف بالجميع دونما مراعاة لأي وازع أو أدنى ضمير، فقط ثمة هدف وحيد يجمعها وهو استمرار ذات الحاكم على قمّة هرم الغطرسة، جيوشٌ لا تستند لأي قواعد معرفية حول وظائف الجيش ومهامه الأساسية فقط حماية ذاتية الحاكم المطلقة، باستثناء مصر وتونس نوعا ما.

 

يقول "فارس الخطَّاب" -الأكاديمي والإعلامي العراقي-: هناك قاعدة دستورية مفادها "لا يجوز استخدام الجيش في النزاعات الداخلية كما لا يجوز إدخاله المدن، وظيفة الجيش الأساسية هي حماية الأوطان من الاعتداءات الخارجية وتوفير الأمن للمجتمع وليس حماية الحاكم لذاته، وهو في أبعد الاحوال الحد الفاصل بين الانفلات الأمني والمجتمعي وبين الانتقال السليم للسلطة"..

 

مستشهداً بأوكرانيا حين أقيل في "كييف" ثلاثة نواب لوزير الدفاع الأوكراني بسبب رفضهم المشاركة في وضع خطة تقتضي استخدام القوات المسلحة للسيطرة على بعض المناطق في شرق وجنوب شرق البلاد، كما تم نزع سلاح وحدات أوكرانية مرابطة هناك وقفت الى جانب برلمان القرم.. نموذج حي وقريب لانضباط الجيوش تجاه الأحداث السياسية التي تعصف ببلادهم والتي تتعلق بإرادات الشعوب ورغبتها في التغيير، ولو فعل هؤلاء النواب العكس لاتسمت مجريات الامور في شبه جزيرة القرم بالكثير من الدموية، ولأسست لعقدة لن تزول أبدا تجاه الجيش الأوكراني والوحدات المرابطة في هذه المدينة، وربما في غيرها أيضا، انتهى رأي الكاتب.

 

فيما الأنظمة العربية على عكس ذلك تماما، على سبيل المثال اليمن وسوريا.. نموذجان للجيوش التي أُسِّست على أكتاف الشعوب وتسلَّحت من أموال ضرائبها التي دفعتها وتدفعها ولم تكن تعلم أنها تدفع لفنائها..

 

لأجل من يقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا ينشدون تغيير أنظمة أكل عليها الدهر وشرب ولم تقدم أي نهضة لشعوبها! خرجت الميادين مطالبة رحيلهم لتبحث عن موطئ قدم واحدة بين بلدان العالم المتحضر.

اليمن كانت تستقطع لوزارة الدفاع ما يقدر بـ40% من ميزانية الدولة السنوية، وهذه نسبة مهولة مقارنة بما تبقى لمؤسسات الدولة المدنية برمتها، وفي الأخير سلم الجيش بأكمله مع السلاح الى المليشيات الحوثية بكامل عتاده وعدته، فيما سوريا تقصف سُكَّان مدنها بالبراميل المتفجرة.

 

اتخذت الأنظمة العربية المتلبسة بثوب العهر الجمهوري قاعدةً موحدة: "إن لم أحكمك فسوف أقتلك" لا خيار ثالث بينهما، ولو تدمرت أوطانهم بأكملها وأبيدت شعوبها عن بكرة أبيها ولو استلزم الأمر تحالفهم مع الشيطان نفسه!

 

أمطرت المدن العربية في سوريا واليمن كــ"حلب، وتعز" بأصناف الأسلحة الفتاكة آخرها غاز السارين الذي أطلقه نظام بشار الأسد على "خان شيخون" بريف إدلب السورية، شاهد العالم بأسره المجزرة على مرأى ومسمع وهو يرى الأطفال يختنقون ويموتون أمام وسائل الإعلام، فيما اليمن تقصف مدنها وقراها بالصواريخ البالستية وقذائف الهاون والكاتيوشا مِن قِبَل الجيش الذي تحوَّل إلى مليشيات بيد الحوثيين ويقتل الأبرياء والأطفال في مشاهد يومية مروعة!

 

في الأخير تجد السلاح الذي استقطع من مخصصات التنمية وإعمار البلدان لشرائه يُوجَّه إلى صدور الشعوب، القتلى بالآلاف من المدنيين الأبرياء والأطفال، هل يستوجب البقاء على سدّة الحكم والحفاظ على الثروة والسلطة، تقديم كل هذه الضحايا؟!

 

لأجل من يقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا ينشدون تغيير أنظمة أكل عليها الدهر وشرب ولم تقدم أي نهضة لشعوبها تضمن رفاهيتها رغم ثرواتها المهولة! خرجت الميادين مطالبة رحيلهم لتبحث عن موطئ قدم واحدة بين بلدان العالم المتحضر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.