شعار قسم مدونات

ماذا لو حكمتها "حُرمة"؟

Aya Hijazi, an Egyptian-American woman detained in Egypt for nearly three years on human trafficking charges, meets with U.S. President Donald Trump in the Oval Office of the White House in Washington, U.S., April 21, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque
"قلب" علينا القوم في مصر "المواجع"، عندما رضخ "دكرهم" أمام "العاهل الأمريكي"، الذي أصدر له تعليماته بإخلاء سبيل "آية حجازي"، المسجونة منذ ثلاث سنوات على ذمة قضية استغلال الأطفال، فإذا بتعليماته أوامر، وإذا بطائرة عسكرية تأتي لمصر على متنها مستشارة الأمن القومي الأمريكي، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها، لتصطحب المتهمة السابقة إلى واشنطن وتلتقي بصاحب الأمر بالإفراج عنها، في يوم معلوم ردت فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، أسود على كل ظالم. كما قال شاعر الربابة بتصرف!
 

"المواجع" التي "قلبها" علينا القوم تتمثل في تصرف أرعن آخر، وفي ظل حكم المجلس العسكري، عندما صدر الأمر القضائي بالقبض على متهمين أمريكيين في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "التمويلات الأجنبية"، ومنعهم من السفر، صحيح أن السلطات المصرية، في عهد أسد الصحراء المشير محمد حسين طنطاوي، لم تتمكن من تنفيذ الأمر الأول، بعد اعتصام المتهمين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، لكن جرى تنفيذ الأمر الثاني، فمن دخلوا السجن فعلاً هم المصريون المتهمون في هذه القضية، لكن كان يكفينا فخراً وتيها أن المنع من السفر قد تم على نحو كاشف بأن مصر في عهد المجلس العسكري، كانت رأسها في السماء السابعة!
 

يومئذ كان البرلمان بأغلبيته الإسلامية قائماً ولم يحل، واستمعنا لمجموعة من الخطباء فيه، يشيدون بالموقف الوطني للمجلس العسكري الحاكم، وللقضاء المصري الشامخ ولابد أن يكون قراره في مواجهة الأمريكيين رأساً هي "شمخة" من "شمخاته"، وما كان له أن "يشمخ" هذه "الشمخة العظيمة"، لولا أنه مسنود بقوة المجلس العسكري، ومقاتلي الصحراء، الذين حموا الثورة، وأجبروا مبارك على التنحي، ورفضوا تنفيذ أوامره بقتل المتظاهرين، إلى آخر هذا العزف والأسطوانة المشروخة" التي نفاها المشير محمد حسين طنطاوي في شهادته السرية أمام محكمة مبارك!
 

ذات يوم تلقى اللواء العصار اتصالاً عنيفاً من الجانب الأمريكي: إن طائرة عسكرية الآن على وشك أن تهبط في مطار القاهرة. هكذا بدون استئذان، وإذا لم تغادر الآن وعلى متنها المتهمين "في قضية التمويلات الأجنبية"، فسوف تحط في السفارة الأمريكية وتصطحبهم إلى هناك.

ولم تكن مشاعر الشارع المصري أقل حماساً من مشاعر "الخطباء البرلمانيين" الذين كنت تستمع لهم فتظن أنها صلاة الجمعة ينقلها لنا التلفزيون المصري من مسجد "الكخيا". وقد كاد المصريون في هذه الأيام العظيمة التي "شمخ" فيها القضاء المصري، كما "شمخ" فيها أهل الحكم، أن يرقصوا على أغنية "سعد الصغير": "النهارده فرحي يا جدعان"، فمصر صارت شامخة في مواجهة الأمريكان رأسا، فهل نحن في حلم أم في علم؟!
 

كان الإعلام ينشر عن "رجاء" البيت الأبيض الإفراج عن المتهمين، كما يذيع الردود الشامخة للمجلس العسكري الحاكم الذي رفض الرجاء الأمريكي وأخبره أن زمن الانصياع للأوامر الأمريكية قد ولى، وأن القضاء المصري مستقل الآن، فالبلاد تعيش في زمن الثورة، ومبارك لم يعد يحكم مصر، فالمؤسسة العسكرية هي من تحكم المحروسة، وهي "بيت الوطنية المصرية"، كما وصفها "عبد الحليم قنديل" في "لحظة تجلي"!
 

من المعلوم أن طلباً أمريكيا قدم للسلطات المصرية بأن يمثل المتهمون أمام المحكمة المصرية، بشرط ألا يتم وضعهم في القفص، لأن هذا الإجراء يعني توقيع عقوبة على من لم تثبت إدانتهم فعلا، وبما يتناقض مع مبدأ براءة المتهم، وقد رُفض الطلب بحجة أن هذا إجراء بيد القاضي والمجلس العسكري لا يتدخل في أعمال القضاء!
 

ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد فطنت إلى أن العسكر لا يجوز معهم التعامل إلا بالأمر، وذات يوم تلقى اللواء العصار اتصالاً عنيفاً من الجانب الأمريكي: إن طائرة عسكرية الآن على وشك أن تهبط في مطار القاهرة. هكذا بدون استئذان، وإذا لم تغادر الآن وعلى متنها المتهمين، فسوف تحط في السفارة الأمريكية وتصطحبهم إلى هناك.
 

يقول الراوي الأمريكي: أنه سمع صوتاً يصرخ في "العصار" يعتقد أنه صوت المشير طنطاوي، يقول له نفذوا أوامرهم وأنهوا هذا الموضوع بأي شكل! ويقول الراوي من جانب المجلس العسكري في جلسة جمعتنا، إن الطائرة الأمريكية وهي تحط في مطار القاهرة، شلت الحركة فيه، وبقي كل في مكانه، فالطائرات على الأرض لم تستطع الطيران، والطائرات المحلقة في السماء لم تتمكن من الهبوط!
 

وكان لابد من استكمال الشكل القانوني، ولأن القانون ينص على أن القاضي الذي أصدر القرار هو وحده من يلغيه، وقد رفض القاضي ذلك، وقرر ألا يكون دمية في يد العسكر، ويرتكب عملاً مشيناً بهذا الإفراج وربما لم يكن متحمساً لقرار المنع من السفر ليقينه أن "العين لا تعلو على الحاجب"، لكنه اتخذ القرار بتحريض من مسؤول عسكري، ها هو ينبطح الآن!
 

كان القاضي المختار لقضية "آية حجازي" على أبهة الاستعداد لأي أمر، فيوغل في حبسها احتياطياً، ثم يصدر حكمه بالبراءة، فلم يبرر قراراته وقرارات النيابة بالحبس الاحتياطي لثلاث سنوات ولو بإدانة مالية.

لقد تم استدعاء قاض آخر لإلغاء قرار منع المتهمين الأمريكيين من السفر، ليغادروا القاهرة على متن طائرة عسكرية أمريكية، وليتحول الأمر إلى فضيحة من العيار الثقيل، وطالبت البرلمان بأن يستجوب رئيس الحكومة حول هذا الإجراء الجريمة، لكنه لم يكن يقوى على هذا وماذا يفعل البرلمان المهدد بالحل، وهو يعلم أن المجلس العسكري هو من انبطح!

لقد أعن الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء، أنه لا شأن له بالأمر، كما نفى الوزراء المعنيون صلتهم به، وكانت كل السهام تتجه إلى العسكر، والذين لاذوا بالصمت تماماً، من قرار أرعن عجزوا عن حمايته!

وحتى مبارك في محبسه استولت عليه الدهشة من هذا القرار الموتور، الذي أُلغي بالأمر الأمريكي، ومما نقل عن المخلوع قوله إن المشير لا يمكن أن يكون وراء قرار منع الأمريكيين من السفر لأنه يعرف علاقتنا بالأمريكيين ويعرف أن السماح للمنظمات بالتمويل هو جزء من المساعدات الأمريكية لمصر، وقيل أن المسؤول الحقيقي عن هذه القضية هو بشحمه ولحمه صاحب القرار بالقبض على المتهمة الأمريكية "آية حجازي"، فلم يتعلم الدرس فكان طبيعياً أن تتكرر الفضيحة، فهو السيد الأستاذ عبد الفتاح السيسي!
 

ولكي يتلافى السيسي أزمة القضية الأولى من حيث رفض القاضي مجاراة العسكر في الانبطاح، فقد كان القاضي المختار لقضية "آية حجازي" على أبهة الاستعداد لأي أمر، فيوغل في حبسها احتياطياً، ثم يصدر حكمه بالبراءة، فلم يبرر قراراته وقرارات النيابة بالحبس الاحتياطي لثلاث سنوات ولو بإدانة مالية، يدفعها بالنيابة عنها عبد الفتاح السيسي من صندوق "تحيا مصر"!
 

اسم القاضي، لابد وأن "يقلب علينا المواجع" أيضاً، فهو "محمد الفقي"، المتهم بتزوير انتخابات دائرة الدقي، في سنة 2005، فقد أعلن في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون المصري عن نجاح "حازم صلاح أبو إسماعيل" بعضوية مجلس الشعب، ثم عاد بعد ساعتين ليعلن سقوطه وفوز "آمال عثمان" مرشحة الحزب الوطني الحاكم! ولأن نادي القضاة، كان قد أقام غرفة عمليات لمراقبة الانتخابات، فقد كان اسم هذا القاضي على قائمة القضاة المتهمين بالتزوير، لكن تكمن المشكلة في القائمة لم تعلن بشكل رسمي وأحيلت إلى محكمة النقض!
 

وبعد الثورة تقدم المحامي "علي محمد علي طه" مدير مركز عقل للقانون والحريات وحقوق الإنسان ببلاغ لوزير العدل، ليحقق عن طريق النيابة العامة مع القضاة المتهمين بتزوير الانتخابات ومن بينهم "محمد الفقي"، لكن من المؤكد أن البلاغ كان مصيره سلة المهملات!
 

لقد وقع الانقلاب ولم يعد أحد يذكر قضية قضاة التزوير، ويأسف المرء عندما يقرأ أن القاضي "الفقي" أصدر أحكاماً بالإدانة ضد متهمين من الإخوان، فلماذا لم يفجر الدفاع قضية التزوير في وجهه؟!

ومن المفارقات، أنني قبل أن أشرع في كتابة هذا المقال، وجدت "الفيسبوك" يذكرني بما كتبته في يوم 24 أبريل 2013 تعليقاً على ما ذكره المستشار محمود الخضيري في برنامج تلفزيوني يومئذ عن هذه القضية! لقد قال الرجل -فك الله أسره- أنه استبشر خيراً بتولي المستشار "حسام الغرياني" منصب رئيس محكمة النقض، واختيار المستشار أحمد مكي وزيراً للعدل، ليعلنا قائمة القضاة المزورين، لاسيما وأنهما كانا من قضاة الاستقلال الذين أعدوا هذه القائمة، لكنهما لم يستجيبا له، وقد بدا الخضيري معاتباً لهذا التصرف من رفيقا النضال سابقاً، وقد فسرت الأمر في المنشور على صفحتي بأنها فكرة القبيلة. فعندما تولي قضاة الاستقلال المواقع الكبرى لم يكن انحيازهم لقيم العدالة بقدر اهتمامهم بالذود عن حياض القبيلة!
 

لقد وقع الانقلاب ولم يعد أحد يذكر قضية قضاة التزوير، ويأسف المرء عندما يقرأ أن القاضي "الفقي" أصدر أحكاماً بالإدانة ضد متهمين من الإخوان المسلمين فلماذا لم يفجر الدفاع قضية التزوير في وجهه، أم أنهم يجهلون شخصه كما يجهلون المنسوب إليه؟! في قضية علاء عبد الفتاح وإخوانه، تم التلويح بتفجير هذه القضية، فأصدر على الفور قراره بإخلاء سبيلهم على ذمة القضية وتنحى استشعاراً للحرج!
 

ما علينا، فاللافت أن الجنين في بطن أمه وقف على انبطاح الحاكم العسكري في مصر، أمام قوة ونفوذ "ترمب" الذي أمره بإخلاء سبيل "آية حجازي" ومن معها فانصاع لأمره، ومع ذلك اختفى "السيساوية" ومشجعو الرئيس "الدكر" قاهر العفاريت، وهو انبطاح لابد وأن يدفعنا لأن نسألهم: ألم يأن لكم أن تلبسوا الطًرح بسبب هذا الهوان، لاسيما وأن مطالب أمريكية سابقة في عهد "أوباما" بالإفراج عن "آية" ومن معها، فكان الرد إن هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر وتطاولاً على سيادتها، على النحو الذي ورد في بيان لوزارة الخارجية المصرية، ولاسيما أيضاً أن الدعاية ضد "آية" ومن معها، كانت تؤكد أنها جاسوسة أمريكية؟!
 

فهل لا يزال السيساوية يصرون على أن مصر بحاجة إلى رئيس "دكر" بخلفية عسكرية؟!.. فماذا لو حكمتها: "حُرمة"؟! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.