شعار قسم مدونات

أنا وشيطاني في رمضان

مدونات، رمضان

لماذا لا اشعر بأن شيطاني محبوس في شهر رمضان مثل بقية الشياطين!؟ لماذا أفعل نفس الأمور التي أفعلها في الأيام العادية خلال شهر رمضان كمشاهدة التلفاز بالساعات والاكتراث لمسلسلاته المتنوعة والتي تزداد جرأة كل شهر وكأنها دعوة عامة لفساد روحية رمضان في قلوبنا؟ لماذا لا اقضي وقتي الرمضاني في الصلاة وقراءة القران ومحاسبه نفسي وإعادة تقييم حياتي بدل البقاء في المطبخ طوال النهار لإعداد اطباق لا تحصى ولا تُأكل كلها؟

كنت اعتقد قبل زمن غير بعيد أنه حين يأت شهر رمضان الكريم، فإنني سوف أشعر بأنني طاهرة النفس، خالية البال من الأفكار التي تتعلق برغباتي واحتياجاتي الدنيوية، بأنني سوف ابتعد عن التكاسل عن أداء العبادات والأعمال لكون الشياطين قد تم حبسها وتكبيلها ولن يكون لها أي قوى أو تأثير علينا وعلى ضمائرنا وأعمالنا لمدة ثلاثين يوما!، وخلال هذه الثلاثين يوماً ظننت أنني قد أصلح نفسي واكتسب عادات يومية جيدة لمنحنيات الحياة بصورة عامة، وسوف أصل لرؤى جديده ومشرقة ليوم الغد الخاص بي!

توجد شياطين بطبيعة الحال حسب معتقداتنا الدينية، ولكن للأمانة أن الذي بداخلنا قد يكون أسوا من الشيطان نفسه

ولكن اكتشفت بأنني – بسبب الموروث الكلامي طوال سنوات الطفولة- اتخذت من الشيطان شماعة اعلق عليها كل الشر الذي بداخلي، والقي على عاتقه ذنب وعقاب كل تأخير في صلاة أو صيام انتقص لأنني شتمت أو لانني أمسكت يدي عن إعطاء المال لمحتاج ما. تركت مسؤولية تحمل نتائج أفعالي التي أخجل منها وأشعر بانها لا تليق بي أو فعلتها بسبب ضعفي للشياطين وحدها، هي من تركتني أفعلها وزينتها لي وأنا ضعيفة يا ربي لا حول ولا قوه لي!

الحقيقة البسيطة هي أنني شيطان نفسي، وكل ما افعله هو قراري أنا. وبالطبع لا أنكر أن التأثيرات الخارجية لها بعض السلطة على تلك القرارات ونمط أسلوب الحياة الذي أعيشه، إلا أننا نحن من يغذيها ويجعلها تكبر بطبيعة الحال، ردة فعلنا الأولى هي التي تحكم مصير تلك الأمور والقرارات. توجد شياطين بطبيعة الحال حسب معتقداتنا الدينية، ولكن للأمانة أن الذي بداخلنا قد يكون أسوا من الشيطان نفسه. نفسنا البشرية تلك التي تكون ماهيتنا الأساسية، وأفكارنا الخاصة التي نتركها تلعب وتمرح داخل أدمغتنا دون الحذر منها أو السيطرة على نتائجها. والإنسان القوي صاحب العقل الحكيم يعلم تماماً ذلك.

شهر رمضان بالفعل فرصة نفسية وروحية وصحية بقدر ما هي فرصة دينية للمسلم. وصيام البدن أو الفم يتوجب معه صيام اللسان والعين والاذن والجوارح عن الاذية وصيام القلب أيضا عن كل ما يغرقك في هموم الدنيا ومشاكلها التي لا تنتهي. ولا تفعل تلك الأمور التي أمسكت نفسك عنها طوال نهار رمضان في ليل رمضان. ولا ما الفائدة من صيام كل تلك الساعات؟

طالما أنك أنت لا تسعى لتغيير من تلقاء نفسك فلن يغيرك أي رمضان ولا أيام أو شهور بعينها.

خففوا طعامكم وشرابكم، خذوا على قدر الحاجة وحسب وليس ما لذا وطاب وزاد عن قدرة البطن والصحة، الله يريدنا أن نشعر بالفقراء طوال العام، وإذا شبعنا في ليل رمضان بعد جوع نهاره فنحن لم ندرك ولم ولن نشعر بشيء، ولم نهذب اي خلق فينا أو زدنا احساسنا بالأخرين. اشعر واشفق على غيرك من خلال جوعك وضعفك وادراكه لنعمة الله عليك وعلى عائلتك، وفي رمضان قد تعرف قيمة الشبع والكفاية وألم الجوع أيضا وقسوة الفقر.

طالما أنك أنت لا تسعى لتغيير من تلقاء نفسك فلن يغيرك أي رمضان ولا أيام أو شهور بعينها. والشيطان مخلوق ضعيف لا يقويه شيء سوى ما نفعله نحن لأنفسنا أو لغيرنا في لحظات العنف أو الغضب أو الجهل أو الملل أو الاستكبار أو عدم المبالاة لشيء. شيطانك كالذئب الجامح يعيش في داخلك، وأنت وحدك من يغذيه ويعتني به ويحوله الى ما ترغب به لا ما يرغب هو به. احبس شيطان نفسك بنفسك لتشعر أنك مستعد لرحلتك الروحية في رمضان المقبل وإلا…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.