شعار قسم مدونات

هل تحولت وسائل النقل العمومي إلى مسارح لاقتراف الجرائم؟

blogs - حافلة
تشهد الوضعية الأمنية في تونس ترديا حادا تقريبا منذ الثورة. وذلك نتيجة عدة عوامل من بينها تحول العلاقة بين المواطن ورجل الأمن التي كانت مبنية على الخوف، أصبحت في ليلة وضحاها مبنية على التحدي والصدام. زد على هذا الخطر الإرهابي الذي ضرب سابقا وما زال يهدد. وأخيرا وليس آخرا التسيب والهروب من العقاب.. كل هذه العوامل أنتجت مناخا مضطربا تغلغل فيه العنف ليشمل جميع الأوساط من العائلة إلى العمل.. وحتى في الطريق إلى العمل.

"في المترو ولا الكار الصفراء تشوف اللي ماراتو عينك".. هذا ما أفادتنا به سيدة في عقدها الخامس كانت تنتظر الحافلة في محطة الـ تي جي إم، وقد بينت أنه علاوة على عدم تنظيم وقت الرحلات والتأخير والاعتباطية في توقيت الرحلات لا نعرف ما يمكن أن يحصل لنا داخل الحافلة، وقد فسرت أيضا أن تفشي السرقة والنشل والتحرش الجنسي؛ رسخ فيها إحساسا بالخوف الدائم والتوتر داخل وسائل النقل العمومي.

من جهة أخرى أفادت مروة وهي طالبة حقوق بالمركب الجامعي فرحات حشاد بالمنار، إنها تخير الاقتطاع من مصروفها اليومي والتنقل باستعمال سيارات الأجرة على أن تستعمل المترو أو الحافلة وأكدت أنها تخلت عن استعمال وسائل النقل العمومي بعد أن كثرت عليها المضايقات والتي انتهت بسلب هاتفها الذكي وبضع المال باستعمال التهديد بسلاح أبيض.

وتقريبا كل هذه التشكيات يمكن أن يؤكد أساسها بجولة قصيرة في المترو، فبمجرد الالتفات يمنة أو يسرة نلاحظ وجود شخص يقف ملاصقا لامراة بطريقة لا تدل على البراءة أو مجموعات من الشباب التائه الذي لا يفرق بين الإجرام والفوضى من جهة، وإثبات الذات من جهة أخرى. فيباشرون أعمال الشغب من تكسير وتخريب داخل العربات، كما لذ وطاب لهم، خاصة أيام اللقاءات الكروية، أين تتحول وسائل النقل العمومي إلى فروع تتبع الملعب، فنسمع رغما عنا موسيقى الجماهير المليئة حقدا وكراهية وجهويات وبالطبع أقذر العبارات.

ليس كل من يركب في عربات النقل العمومي يصيبه أذى، لكن الخوف والقلق والعنف النفسي هو ما أصبح متعبا، فبمجرد الذهاب إلى محطة الجمهورية أو برشلونة وبالنظر إلى الركاب يمكن أن نلاحظ الغضب على وجوههم.

كما نجد أيضا العصابات التي أبدعت في اكتشاف وسائل جديدة للتحيّل والسرقة مثل تعمد استعمال فرامل النجاة استعمالا عشوائيا حتى تحدث فوضى في الميترو، وبذلك يتمكنون من السرقة والنشل دون أن يلاحظ الضحية. أيضا الأنفار الذين يقفون خصيصا حذو الباب للنشل والهروب بسرعة داخل الأزقّة حتى إن بعض المحطات قد أخذت سمعة من حيث كثرة هذه الأعمال الإجرامية، ولكن للأسف لا إجراء رادع قد اتخذ ضدهم.

منذ اللحظة التي أضع فيها قدمي في المترو، وأنا ألتفت يمينا يسارا أحاول رصد كل من عليه شبهة إجرام وتجنبه قدر الإمكان. هذا ما أفادنا به عمر طالب طب، وأضاف أنه حتى إن لم يصبه مكروه فإن الضرر هو نفسه، فقد أصبح المترو جحيما نفسيا بالنسبة إليه.

بالطبع ليس كل من يركب في عربات النقل العمومي يصيبه أذى، لكن الخوف والقلق والعنف النفسي هو ما أصبح متعبا، فبمجرد الذهاب إلى محطة الجمهورية أو برشلونة وبالنظر إلى الركاب يمكن أن نلاحظ الغضب على وجوههم كأنهم في حالة استنفار قصوى، حيث أصبح الكل يخاف من الكل، والكل يرى الشر في الآخر.

وهنا من حق السائل أن يسأل، ألم يحن الوقت لإيقاف هذه الهمجية؟ ألم يحن الوقت للكف عن تبرير هذه الأفعال بتفشي الفقر والبطالة، وأغلب هؤلاء اللصوص يسرقون من أجل توفير جرعات المخدرات. ألم يحن الوقت لإنشاء جهاز خاص بهذا النوع من الإجرام يكون متوفرا في كل المحطات وحتى داخل العربات؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.