شعار قسم مدونات

أيا من لن تتزوجها "فتاة عاملة"

blogs امرأة عاملة

قبل أن أشرع في التدوينة، أود أن أوضح بأنني أكتب للتعبير عن رأيي الشخصي، وفيما يلي أنا لا أنتقد على وجه الخصوص، بل أحاول أن أناقش فكرة بمفهومها الاجتماعي العام، مع كل احترامي لكل التوجهات.

 

أيا من لن تتزوجها "فتاة عاملة"، دعني أصارحك بأنك لا أنت متشدد ولا أنت متغطرس. صدقني، الأمر غير ذلك تماما. في الحقيقة، مجتمعنا فيه خلل عميق، خلل يمارسه ويدركه ويتجاهله الجميع. مجتمعنا يعمل على مبدأ الإفراط والتفريط، الإفراط لحق الرجل والتفريط لحق المرأة. 

ذلك المشهد الذي شاهدته في إحدى الإدارات والذي حز في نفسك، هو مشهد باطل. تلك "السيدة المحترمة" التي تعمل في إحدى الإدارات الخاصة والمتزوجة والتي لها أبناء ولها زبائن تقابلهم يوميا، إن قلقها واستياءها ليسا في محلهما، والتعامل الفظ الذي تعرضت له ليس في محله، خاصة وأنه من معظم الزبائن. دمعها باطل وقساوة مسؤولها باطلة. إهانتها أمام الملاء حق ذكوري وذرف الدمع صار واجبا أنثويا، وباختصار هذه هي عقدة مجتمعنا.
 

إن الرجل الذي يقنع المرأة بإجبارية المكوث في البيت لأن خارج البيت هناك "وحوش بشرية" هو في حد ذاته "وحش بشري" لأنه يسكت عن وحشية إخوانه. المرأة التي ترضى بالمكوث في البيت إرضاءا لسلطة الرجل هي امرأة تكرس السلطة الذكورية

ذلك المسؤول "المتشدد، المتغطرس، الذكوري" ما كان عليه أن يقلل من احترام العاملة، وتلك العاملة ما كان عليها، من أول يوم وضعت قدمها في العمل، أن ترضى بسوء المعاملة. لكن كما أخبرتك، هذا خلل عميق في مجتمعنا. الرجل ترسخت فيه القناعة بأنه "السيد" على حساب كل النساء، والمرأة ترسخت في قناعتها أنها "على الهامش" أمام كل الرجال. 

إن الرجل الذي يقنع المرأة بإجبارية المكوث في البيت لأن خارج البيت هناك "وحوش بشرية" هو في حد ذاته "وحش بشري" لأنه يسكت عن وحشية إخوانه. المرأة التي ترضى بالمكوث في البيت إرضاءا لسلطة الرجل هي امرأة تكرس السلطة الذكورية. الأطفال الذين سينتجون عن زواجٍ كهذا سيصنعون، غالبا، نفس النمط الاجتماعي وسيورثون الخلل. فالصبي سيلقن الذكورية والاستقواء وسيلبس الأزرق والصبية ستلقن الأنثوية والاستضعاف وستلبس الوردي، وهكذا دواليك. ومنه لا يصح لهذه "العقليات" الحديث عن التطور الاجتماعي والحضاري. فبدل أن يركز المجتمع على القيم الأخلاقية والإنسانية، يركز المجتمع على اللامساواة بين الجنسين.

وبما أنك ترفض العمل لزوجتك فهذا يعني أن لديك حكما مسبقا على طموح ورغبات زوجتك المستقبلية. لماذا لا يكون عملك وعملها محل نقاش بينك وبينها؟ أتعلم لماذا؟ بسبب نظرة المجتمع العمياء إلى المرأة إن كانت عاملة أو لم تكن. عمل المرأة كعمل الرجل أمر جد عادي وضروري بما أنه ينطلق من الإرادة الشخصية والطموح الذاتي الذي يأتي للمساهمة في تكوين المجتمع. إن العمل كما هو شاق على الرجل فهو شاق على المرأة، هذا إن صح القول بأن العمل شاق، لأن العمل خيار وتحدي لكل فرد في المجتمع، كما أن أعظم إهانة يتعرض لها الفرد في المجتمع هي أن تصادر حرياته الشخصية. بينما الحياة الكريمة لأي امرأة كانت هي حياة تختار فيها بمحض إرادتها، هي حياة تساهم فيها بكامل حقها في المشاركة.

تربية الأبناء ليست مسؤولية الزوجة وحدها، بل هي مسؤولية اشتراكية ووعي ثنائي ومشروع استثمار في الأولاد

لقد ذهبت في تدوينتك إلى" تساؤل مشروع وهو: هل سيحظى أبناؤك برعاية أمهم في غمرة العمل والمشاغل؟" وماذا عن أبنائك؟ هل سيحظون برعايتك في غمرة العمل والمشاغل؟ بالطبع ستكون زوجتك أما لأولادك، ولكنك غيبت حقيقة أنك ستكون أبا لأولادها.

 

الحياة، أولا وقبل كل شيء، هي تقاسم بين الأفراد، فلماذا تحمل المرأة الجانب الشاق لحساب الرجل؟ في هذه النقطة بالذات يظهر مدى ضعف الموقف الذكوري في مجتمعنا. تربية الأبناء ليست مسؤولية الزوجة وحدها، بل هي مسؤولية اشتراكية ووعي ثنائي ومشروع استثمار في الأولاد. جميل أن تفكر في راحة زوجتك، لكن زوجتك لن تحس بالراحة مادامت مجبرة على فعل أو ترك شيء لراحتك أنت وراحة ذكور مجتمعك. زوجتك لن تحس بالراحة الاجتماعية مادامت مسلوبة القرار. سيستحيل علينا رؤية تطور المجتمع وتغيراته الإيجابية ما دمنا نقيد الأفراد بحسب جنسهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.