شعار قسم مدونات

التعليم التقليدي.. سكرات ما قبل النهاية

blogs التعليم

أهم عامل في تقدم الحضارات ونمو المجتمعات هو التعليم، وكما يقول مالكوم إكس: "التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل لأن الغد ملك لأولئك الذين يعدون له اليوم". إن نهضة أي أمة تسبقها ثورة في التعليم، وكذلك سقوط الحضارات لا بد أن يسبقه تدهور في التعليم، وصفحات التاريخ تعج بالكثير من الأمثلة التي تثبت هذه الحقيقة. بحسب الزمان وأدوات العصر تنوعت طرق الدراسة، ففي عصر ما قبل الكتابة كان التعليم شفوياً، وبعد أن عرف الإنسان الكتابة وثق معارفه التي اكتسبها عن طريق الرواية، وثقها على الطين ثم على الورق، وهذا طبيعي لإن هذه الوسائل هي التي كانت متاحه له، الغير طبيعي هو أننا وبعد أكثر من 28 سنة على انطلاق الإنترنت، وبعد التطور التقني الهائل، ما زلنا نعتمد على الوسائل التقليدية في التعليم!

تابعت قبل أيام أراء المغردين على هاشتاغ التعليم_يستغني_عن_الكتب بعد أن أعلن وزير التعليم السعودي أن المناهج التقليدية في السعودية ستتحول إلى مناهج رقمية بحلول العام 2022، ومما أثار استغرابي هو اعتراض نسبة كبيرة من مغردي تويتر على هذا التغيير، عموماً رأي الأغلبية لا يهم فيما يتعلق بمحدثات العصر فكما نعلم كان "غاليليو غاليلي" هو الشخص الوحيد الذي يرى أن الأرض كروية في الوقت الذي اعتقدت فيه البقية أنها مسطحة!.

 

لكي نستطيع أن نبني أجيالاً قادرة على تلبية متطلبات الغد، يجب على المدارس والجامعات أن تغير أدوات الامس. الجامعات الآن في مفترق طرق إما أن تندمج في منظومة التعليم الرقمي، وإلا فإنها ستختفي وتحل محلها منصات التعليم الإلكترونية

هذا القرار على أهميته إلا أنه وحده لا يكفي، المطلوب تغيير شامل لطرق التعليم التقليدية، الطالب اليوم الذي يشعر بالملل والنعاس في الحصص المدرسية أو في المحاضرات الجامعية، يشاهد مقاطع تعليمية طويلة على يوتيوب أو يقرأ مقالة مهمة في موقع ما دون أن يشعر بالوقت! بل وتعلق في ذهنه أكثر من المعلومات التي يتم تلقينه اياها في منصات التعليم التقليدية. ما الفائدة من حشو رأس الطالب بمعلومات يحفظها ويرددها كالببغاء ثم ينساها؟ ليس المطلوب رقمنة المناهج فقط؛ المطلوب تغيير طريقة التدريس.

لكي نستطيع أن نبني أجيالاً قادرة على تلبية متطلبات الغد، يجب على المدارس والجامعات أن تغير أدوات الامس. الجامعات الآن في مفترق طرق إما أن تندمج في منظومة التعليم الرقمي، وإلا فإنها ستختفي وتحل محلها منصات التعليم الإلكترونية، الآن على هذه المنصات يمكنك أن تحدد الموعد الذي ترغب فيه بمشاهدة المحاضرة المصورة، ويمكنك اعادة تشغيلها في أي وقت، لماذا لا تستخدم الجامعات المحاضرات المصورة كخطوة أولى في التكيف مع التعليم الرقمي، كم سيوفر هذا من وقت الطلبة والأساتذة الجامعيين؟ كم سيقلل من تكاليف الجامعات؟

قد يعتقد البعض أن التفاعل في منصات التعليم التقليدية يكون أفضل على اعتبار أن المعلم والطالب يكونوا وجها لوجه، ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أنه حتى وسائل التفاعل بين الناس في كل مناحي الحياة انتقلت من المقاهي والحواري إلى منصات التواصل الاجتماعي، الآن يستطيع الطالب أن يتفاعل مع أستاذه ومع زملائه بسهولة وفي أي وقت يريده. 

أدرك أن وسائل التعليم التقليدية خرّجت لنا نُخباً في كل المجالات، حتى بناة العالم الرقمي أنفسهم تخرجوا منها، ولكن لكل زمان أدواته التعليمية المناسبة، التعليم الرقمي هو أداة العصر، والتعليم التقليدي يلفظ أنفاسه الأخيرة في سكرات ما قبل النهاية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.