شعار قسم مدونات

من حقّي كسوري الحصول على إقامة بتركيا

blogs جواز سوري

بدأت تفاصيل الحكاية بعد تخرّجي من الجامعة في ماليزيا، أو قبلها بفترة قليلة عندما عرض عليّ أحد الأصدقاء فرصة عمل في تركيا، صحيح أنها ليست ضمن مجال دراستي، لكنها تبقى فرصة لا يجب رفضها نظرًا للحال الذي وصلنا إليه. في تلك الفترة كُنت أشغل وظيفة مُحرر للنصائح تقنية في واحد من أكبر المواقع العربية، لذا فالموازنة بين عمل لا علاقة له بدراستي الجامعية، وآخر في المجال الذي أُحب، بدا بالفرصة التي لا تُعوّض والتي اغتنمتها دون تردّد.

 

وصلت إلى مطار اسطنبول في الشهر الأخير من عام 2013، وتقدّمت فورًا للحصول على إقامة سياحية لتحويلها فيما بعد إلى إقامة عمل، وكانت كل الأمور تسير على ما يرام نوعًا ما، باستثناء بعض المشاكل كرفض واحدة من الدول العربية منحي تأشيرة دخول لتغطية واحد من أكبر المعارض المُتخصّصة في المجال التقني كوني من حاملي الجنسية السورية. لكن مثل هذه الأمور لم تعد تُعكّر صفوي أو صفو أي شخص آخر.

 

دارت الأيام وبدأت أشعر شيئًا فشيئًا أن هناك شيء خاطئ، ورأسي الكبير (قلبًا وقالبًا) لا يُمكنه التكيّف أبدًا مع ما هو خاطئ ويسعى إلى تغييره أيًا كان الثمن، وبعد تحليلات طويلة استنتجت أن مجال عملي يقتلني ويدفعني للموت البطيء. وبعد العديد من المُحاولات التي ردعتها دموع الأقارب والأحباب تارة، وترديد نظرية "الحيط الحيط وياربي السترة" على مسامعي تارة أُخرى، قرّرت أخيرًا أن اقفز من المركب الغارق، وهذا في عام 2016.

 

لماذا يجب أن أُحرم من حقّي كإنسان من الحصول على بطاقة للإقامة دون مشاكل؟ لماذا عوضًا عن التفكير في المُستقبل وتطوير الذات أن أقضي ساعاتي في التفكير بطريقة حل موضوع من المُفترض أن يكون بسيط جدًا

خلال تلك السنوات لم اتخلّى عن عملي الحر عبر الإنترنت، بل وأصبح أساسيًا بالنسبة لي أكثر من ذلك العمل الذي تخليّت عنه أملًا في الوصول إلى ما يُريحني ويُساعدني على استكمال هذه المسيرة. لكن المُشكلة تكمن في الحصول على وثيقة إقامة في تركيا، فخلال السنوات السابقة لم تكن لدي مشاكل طالما أنني أعمل مع شركة تركية. لكن وبما أنني انتقلت للعمل الحر، فالأمر مُختلف. الحل المنطقي هو تحويل إقامة العمل إلى إقامة سياحية من جديد، وهذا شيء موجود قانونًا في تركيا. لكنني آثرت وقرّرت التقدّم للعمل في شركة مُتخصّصة في مجالي الأساسي -البرمجة- وبالفعل حصلت على الوظيفة.

 

أذكر تمامًا أنني في مقابلة العمل الأولى وعند سؤالي عن الراتب المتوقع أن إجابتي كانت كالتالي: لا يهمني الراتب أبدًا لأني امتلك عملي الحر عبر الإنترنت، ما يهمّني فقط هو الحصول على إقامة عمل. لكن وبعد إلحاح تحدّثت عن الراتب المتوقع الذي يعادل تقريبًا أقل من 50٪ مما يتقاضاه الخريج الجديد في تركيا، وهو ما أذهل زُملائي في العمل الجديد، وكل هذا لكي امتلك إذن للعمل يؤهّلني فيما بعد للحصول على الجنسية التركية أملًا في الحصول على فرصة لزيارة معارض دولية مُتخصّصة في المجال التقني نظرًا لعملي في مجال الأخبار التقنية في أكثر من موقع.

 

منذ اليوم الأول في العمل الجديد وأنا افتح نفس الموضوع، وأُكرّر سؤالي حول سير التقدّم لاستخراج إذن العمل. وانقضى 21 يوم دون أن احصل على جواب أو إذن عمل، لذا فأنا وبشكل قانوني متخلّف نوعًا ما أو مُخالف، لأن نقلي من شركة للأُخرى يجب أن يتم ضمن 15 يوم فقط، لكن الشركة الجديدة ماطلت، وأخّرت حتى دخلنا في المجهول.

 

أرى أمامي جهد ثلاث سنوات من العمل والتعب تنهدم شيئًا فشيئًا، لماذا؟ لا سبب، لأن لوم أي جهة لن يُفيد الآن. لكنها حكاية واحدة من حكايات آلاف الشباب الذين يسعون ليس لشهر، ولا لسنة، بل لثلاث سنوات وأكثر، ليأتي تقصير شخص ويهد كُل شيء أمام أعيّنه

لم توقفني كل تلك التفاصيل عن السعي للحصول على إقامة سياحية، فأنا أؤمن أن القانون يحمي الجميع -من المفترض-، لكن وبعد ذهابي للتقدّم للإقامة تم سحب أوراقي وتسليمي مُذكّرة تبليغ لمغادرة الأراضي التركية خلال 15 يوم فقط!! تمكّنت المحكمة من إلغاء هذا القرار وبالتالي يُمكنني البقاء في تركيا، لكن دون إقامة، لأبقى تحت رحمة مكاتب منطقة الفاتح، تلك المكاتب التي تُدار -سوادها الأعظم- من قبل أشخاص يرسمون في مُخيّلتك صورة وردية لهم، وأن معارفهم في الدولة تُمكّنهم من حل كل شيء بما لا يُرضي الله، الرشوة.

 

أراد تلك السماسرة إعادة نفس السيناريو الذي تعوّدا عليه في بلدهم الأول، ولم يرغبوا بالتغيير بعد هذه الفرصة التي حصلوا عليها؛ الأول يُريد 2000 دولار أمريكي لمحاولة حل هذه المُشكلة وحذف المُخالفة من النظام ومنحي إقامة نظامية. أما الثاني فهو يُريد 3500 دولار على أن تُسلّم لجهة ثالثة من معارفه لضمان عدم سرقته، على الرغم أن رقبتي في يده. وبالمناسبة، الشخصان من حاملي الجنسية السورية ومن أبناء بلدي الحبيب. وهكذا، أرى أمامي جهد ثلاث سنوات من العمل والتعب تنهدم شيئًا فشيئًا، لماذا؟ لا سبب، لأن لوم أي جهة لن يُفيد الآن. لكنها حكاية واحدة من حكايات آلاف الشباب الذين يسعون ليس لشهر، ولا لسنة، بل لثلاث سنوات وأكثر، ليأتي تقصير شخص ويهد كُل شيء أمام أعيّنه.

 

باختصار، لست وحدي من يُعاني من هذه المُشكلة، لكن علّي من نفسي أولًا. لماذا يجب أن أُحرم من حقّي كإنسان من الحصول على بطاقة للإقامة دون مشاكل؟ لماذا عوضًا عن التفكير في المُستقبل وتطوير الذات أن أقضي ساعاتي في التفكير بطريقة حل موضوع من المُفترض أن يكون بسيط جدًا. لماذا وعوضًا أن يُشارك الإنسان ما يجمعه من مال مع عائلته التي أصبحت مُتفرّقة في بلاد الله الواسعة أن يدفعها لشخص أو اثنين لحل أموره بشكل غير قانوني؟!

 

من حقّي كإنسان أن أحصل على إقامة أينما ما كُنت طالما أن البلد توفّر هذه الإمكانية. ولأن القانون لا يُمكن السير وفقه دائمًا، فالخطأ القانوني يُحل بجزاء. أما أن تقول لي أن أخرج من البلد، وأن أعود إليها من جديد للتقدّم للإقامة فهذا أمر غير منطقي، خصوصًا أن منفذي الوحيد -كسوري- هو لبنان، وهُنا عزيزي القارئ يُمكنني إخبارك أنك وللحصول على موعد لتقديم أوراق الحصول على تأشيرة دخول الأراضي التركية فأنت بحاجة لما لا يقل عن ثمانية أشهر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.