شعار قسم مدونات

وراثة الدين والنهضة العمرية

blogs- الدعاء

يُحكى أنّ امرأةً حادثتْ زوجَها عن زيارتِها لصديقتِها التي أعدّتْ لها السّمكَ المشويّ اللذيذ، فطلب الزوجُ من امرأتِه أن تتّصل بصديقتِها لتسألَها عن الوصفة السريّة لهذه السّمكة، ففعلتْ ذلك وحادثتْ صديقتَها فقالتْ لها خطوات العمل إضافةً إلى قطع الرأس والذيل، فسألتْ الأولى عن سبب قطع الرأس والذيل، ففكّرت الأخيرة قليلًا وقالتْ: "هكذا كانتْ تفعل أمّي، سأتّصل بها وأسألها" فاتّصلتْ بأمّها وسألتْها عن سبب قطع الرأس والذيل في السمكة عندما تعدّها فقالت الأمّ بعدما أطرقت التفكير: "سأسأل جدّتكِ عن السبب" فاتصلتْ بها ورحّبتْ بها ثمّ قالتْ: "يا أمّي هل تذكرين السمك المشويّ اللذيذ الذي كنتِ تُعدّينه لوالدي؟" فأجابت الأمّ بثقةٍ: "نعم" فردّتْ: "لماذا كنتِ تقطعين الرأس والذيل للسمكة؟" فأجابتْ: "صراحةً، كانتْ إمكانيّاتنا في ذلكَ الوقت متواضعةً وبسيطةً ولذلكَ كانتْ مقلاتي صغيرةً لا تتّسع للسّمكة كاملةً".

هذا ما يؤدّيه عدم إدراك المعلومة، وأخذها مُسلّمةً لا شيء يشينها، فتصبح تقليدًا متوارثًا تتوسّط منطقة اللاوعي من العقل، حتى ولو كانت المعلومة عبارةً عن دينٍ أتى ليخلق الخارقين والعظماء ويدخلهم في التاريخ من أوسع أبوابه، نُولد ونكبر قليلًا ونحفظ بعضًا من القرآن الكريم ونقوم بأركان الإسلام، ونحن على يقينٍ بأنّ ديننا هو الصحيح ثمّ عند أوّل نقاشٍ مع غير مسلمٍ نكتشف أنّنا لا نملك معلومةً تُذكر عن ديننا.
 

في هذا العصر أصبح الإسلام اسمًا مُجرّدًا مُبهمًا، لا نعرف منه سوى اسمه وأنّه دينٌ عظيمٌ جاء على يد مُحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد قام بعض الدعاة بعرضه بطريقةٍ خاطئةٍ، حتى أصبح الإسلام في ذهن الكثير "أنّه ذلكَ الشيء العظيم الذي اتّبعه أسلافنا من قبل

ماذا لو تناقشتَ مع أحد الملحدين ثمّ سألك عن تفسير سورة العاديات؟، هل ستُجيبه بكامل ثقتك؟، أنا على يقينٍ بأنّكَ تحفظها منذ صغرك ولكنْ لا أعتقد أنّه خطر يومًا ببالك أنْ تقوم بتأمّلها وتدبّرها والبحث عن معناها، وكذلك باقي سور القرآن الكريم. "اللهمّ أعزّ إسلامنا بأحد العمرين" هكذا قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والمعروف أنّهما عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- وعمرو بن هشام (أبو جهل)، واختيار الرسول لهذين الاسمين يستحيل أنْ يكون صدفةً، فهما كانا صلبين أشدّاء على المسلمين، كلٌّ منهما مقتنعٌ بفكرته لا يتزحزح عنها وعندما استمكن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- من أبي جهل في معركة بدر سأله أبو جهل "لمن الغلبة اليوم؟" فردّ عليه "لله ورسوله" فقال: "لقد ارتقيتَ مرتقىً صعبًا يا رُويعيّ الغنم"، فقُطع رأسه، ومن قصّة قتله يتبيّن أنّه لم يتزحزح عن فكرته ولو أدّى ذلكَ لموته.
 

وأمّا عمر بن الخطّاب فقد كان مثل عمرو ولكنّ الله هداه للإسلام فأصبح خليفة الأرض وقائدها، ومن قصّة إسلامه يتبيّن أنّ الله أراد لقلبه الهداية، فسماع عمر القرآن لم يكنْ أبدًا مصادفةً بل ليمهّد الله دخول القرآن لقلبه تطبيقًا لدعاء الرسول مُحمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فأسلم وحسُن إسلامه ودخل مدخلًا عظيمًا في التاريخ، ولأنّه فهم القرآن فهمًا صحيحًا وتدبّره بقلبه مصداقًا لقوله تعالى "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، جاء القرآن موافقًا لكلامه، حتى لُقّب بالفاروق لأنّه يَفْرِقُ بين الحقّ والباطل وهذا أسمى درجات الفهم للقرآن الكريم، وقد قال الكاتب أحمد خيري العُمري "قراءة القرآن من أجل الختمة وقراءة القرآن من أجل النهضة هو كالفرق بيننا وبين الصحابة"، فإنْ نظرنا قليلًا لقصص إسلام الصحابة سنجد أنّ الواحد منهم لم يكنْ يسلم تحت تهديد السيف، أو سياط المسلمين، بل يُسلم لأنّه علم بحقٍّ أنّه لا إله إلّا الله وأنّ مُحمّدًا رسول الله، فتمكّنتْ أسس الدين على أيدي رجالٍ كان الإسلام حياتهم، والقرآن دليلهم، فزهت الأمّة الإسلاميّة، وتربّعتْ على عرش الحضارات في أعوامٍ معدودةٍ.

وفي هذا العصر أصبح الإسلام اسمًا مُجرّدًا مُبهمًا، لا نعرف منه سوى اسمه وأنّه دينٌ عظيمٌ جاء على يد مُحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد قام بعض الدعاة بعرضه بطريقةٍ خاطئةٍ، حتى أصبح الإسلام في ذهن الكثير "أنّه ذلكَ الشيء العظيم الذي اتّبعه أسلافنا من قبل، وهو يتمثّل في ذلكَ الرّجل الذي يقرأ ثلث القرآن وربّما أكثر في ليلةٍ واحدةٍ"، وإذا تكلّمنا عن قراءة القرآن "فإنّه ذلكَ الكلام الغامض الذي يحتاج إلى مُجلّداتٍ من التفاسير والشروح لفَهمه"، ولذلكَ نرى التفلّت واضحًا وجليًّا في العبادات وفي قراءة القرآن وذلكَ وليدُه الخوف والجزع لأنّنا لسنا كالسابقين حالًا، في تطبيق شرع الله حبًّا وامتثالًا.

ختامًا، لماذا أسلمتَ؟ ألأجل أبوَيْك؟، كانا مُسلمَيْن فأسلمتَ لإسلامهما، تمامًا كقصّة السمكة إذ توارثت العائلة تفاصيل الوصفة دون وعيٍ ودون سؤال؟، ألم ترَ للمشركين والكافرين في القرآن الكريم عندما كانوا يُسألون عن سبب رفضهم لرسالات الأنبياء فكانتْ حجّتهم "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين"، فهل تودّ أنْ تكون مثلهم؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.