شعار قسم مدونات

قُتِلوا ونحن نيام

blogs خان شيخون

في تقريره الذي عرض على قناة الجزيرة بتاريخ 21 أغسطس 2013 الذي كان عنوان (كأنهم نيام) حاول الأستاذ ماجد عبد الهادي نقل الصورة القاسية التي قُتل فيها أطفال الغوطة في ريف دمشق بالقذائف التي تحتوي المواد الكيميائية التي أرسلها لهم الأسد وحلفائه صبيحة ذاك اليوم المشئوم وراح ضحية تلك المجزرة أكثر من 1300 مدني جلهم من الأطفال والنساء. 

اليوم وبعد ما يقارب الأربع سنوات شن الأسد وحلفائه الروس هجمة لا تقل همجية عن سابقتها مستعملاً نفس الأداة مكرراً نفس الجريمة ربما بوطأة أخف لكن لا خفيف ولا قليل مع الموت سواء كانت المزهوقة روحاً واحدة أو العديد من الأرواح يبقى الموت موتاً.

كل شيء متشابه في الجريمتان أداة القتل والقاتل والمقتول نفسه وصمت أممي بل ربما مباركة أممية لقتل هؤلاء الضحايا الذين كما وصفوا "ماتوا كأنهم نيام" ربما اختلف الزمان لكن الفترة بين الجريمتين لم تكن جنة بالنسبة لأهل سوريا فكأس الموت يتجرع منه أهل الشام يومياً لكن العالم اعتاد موتهم ولم تعد تعنيه أعداد القتلى وصفاتهم.

"الموت النوعي" فقط هو الذي يسلط الضوء على جرائم الأسد ومن ورائه روسيا والميلشيات التي تقاتل في صفوفهم، نعم الموت النوعي بالأسلحة النوعية فقط ولا تلبث حتى تنسى الجريمة بعد أن يقوم القاتل بالتنازل عن أشياء تريدها القوى العظمى التي حددت الخطوط الحمر لقتل السوريين.
 

لعنة الضحايا في سورية ستلاحق كل من خذلهم ولعنة أحلام هؤلاء الأطفال المقتولين ستلاحق كل من صمت عن قتلهم.. والحقيقة أن الكثير من السوريين اليوم ماتوا وهم ما يزالون الآن أحياء

أعود الى عنوان تقرير الأستاذ ماجد عبد الهادي الذي أصابني بمقتل حالي كحال السوريين الذي شاهدوا موتهم على شاشة الجزيرة تشرحه المفردات التي انتقاها الأستاذ ماجد بعناية ربما لملامسة عواطف ملايين العرب والمسلمين الذين يشاهدون حال أهل سورية ويحاولوا أن يشعروا بالاختناق طيلة دقائق التقرير.. يحبسون أنفاسهم ريثما تنتهي دقائق التقرير ليقولوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" وكأنهم أسقطوا فرض حق أهل سورية عليهم لنصرتهم وإيقاف شلال الدم هناك.

لا يا سيدي في الغوطة منذ أربع سنوات واليوم في خان شيخون لم يموتوا هؤلاء الأطفال وكأنهم نيام.. في الحقيقة هم الذين ماتوا ونحن والعالم أجمع ما نزال نيام. فالأمة الإسلامية والعربية النائمة التي تصحوا من سباتها "لدقائق" تشجب وتندد وتصدر البيانات وتعقد الاجتماعات وكأن الشجب والتنديد وكل ما ذكر سيعيد الحياة لطفل استقرت برئتيه بقايا غاز السارين أدت لتوقف نبض قلبه الصغير وقضت على أحلامه وحقه بالحياة حاله كحال أقرانه الأطفال على هذه البسيطة أينما وجدوا. هناك في تلك البقعة المباركة لا يزال موت روسيا وعصابات الأسد منذ سنوات ست يُحّرم علينا وعلى أطفالنا وأهلنا النوم لكي لا يحلموا بسورية خاوية من تلك العصابات الفاشية.

اليوم أسقطت غازات الأسد الكيميائية أكثر من 100 شهيد من المدنيين أكثرهم للأسف من الأطفال في خان شيخون وغداً سيجتمع مجلس الأمن للاستنكار والشجب والتنديد وبعدها ستأتي البارجات الأمريكية الى شواطئ المتوسط تباهي بصواريخ الكروز ثم يقوم الممانع الأسد بمنح جزء كبير من سورية للقواعد الأمريكية في المنطقة الشرقية لتصمت كما صمتت عن الهجوم السابق بعد أن سلمها جزء من سلاحه الكيماوي حفاظا على أمن اسرائيل.

صفوة القول أن لعنة الضحايا في سورية ستلاحق كل من خذلهم ولعنة أحلام هؤلاء الأطفال المقتولين ستلاحق كل من صمت عن قتلهم.. والحقيقة أن الكثير من السوريين اليوم ماتوا وهم ما يزالون الآن أحياء وأتمنى من الاستاذ ماجد عبد الهادي أن يعنون تقريره القادم ماتوا وهم ما يزالون أحياء. لأن تقريره "كأنهم نيام" يصلح أن يكون لأحد اجتماعات الجامعة العربية ولنا في قمة البحر الميت أسوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.