شعار قسم مدونات

هل تتجه المنطقة للتقسيم الجغرافي؟

blogs - books
لن أطيل كثيرا في هذا الاستهلال، ولكن دعني أعرف عن نفسي، فأنا ليست جغرافياً، ولم أكن أهتم بالجغرافيا حتى قبل أربعة أعوام سابقة، فلم أكن أعرف من الجغرافيا إلا الحدود والتضاريس وأهم الموارد لبعض البلدان، وهذا كله بسبب إهمال وزارات التعليم في الوطن العربي لهذه المادة المهمة. بل إن بعض النظريات فيها لا تدرس حتى في الجامعات، ولا يعرف كثير من خريجي طلبة الجغرافيا أو العلوم السياسية علماء هذا العلم!

نعم قلت السياسية، ولم أكن مخطئا! فأحد أهم مواد علم السياسة ينتمي إلى علم الجغرافيا، وهو ما يطلق عليه اسم الجغرافيا السياسية.. تنقسم الجغرافيا إلى طبيعية وبشرية، ومن الجغرافيا البشرية خرجت الجغرافيا السياسية، وهي تدرس قوة الدولة وعناصرها ومواردها وكل ما يتعلق بعوامل النهضة فيها.

تطورت إلى أن ظهرت الجيوبولتيكيا، وهي تدرس الدولة في حالة الحركة، فالحدود كما يقول راتزل غشاء رقيق، ومتى ما كانت الدولة بحاجة للتوسع، يجب عليها ذلك على حساب جيرانها الأضعف. تلك الكلمات كانت صادمة للكثير من السياسيين والعلماء، فكيف يخرج مثل هذا الكلام ويشرع غزو الدول في القرن التاسع عشر/ العشرون الميلادي! فنظرية الدولة كائن حي كانت بمثابة انقلاب على كل المفاهيم، فإذا كانت الجغرافيا السياسية تدرس الدولة في حالة الثبات، فالجيوبولتيكيا تدرس الدولة في حالة الحركة.

خرجت بعد ذلك أهم النظريات في اعتقادي، وهي نظرية قلب الأرض Hart Land للإنجليزي ماكندر. والذي قسم العالم إلى ثلاثة أقسام، قلب وأطراف ومنطقة ارتطام أو اصطدام، وهي التي تقع ما بين القلب والأطراف. فقوى البر تتمثل في القلب وهو روسيا اليوم. والأطراف هي الدول البحرية والتي تمثلها أميركا وبريطانيا وكندا وأميركا الجنوبية وأستراليا واليابان. أما منطقة الاصطدام أو Crash Zone أو الهلال الداخلي، هي المنطقة التي نعيش فيها نحن، والمتتبع لتاريخ البشر، يجد أن أغلب الحروب والمعارك وقعت في هذه الأراضي بالفعل! يقول سبيكمان: إن أخطر شيء سوف يواجهه العالم هو اتحاد دول منطقة الاصطدام، فاتحادهم سوف يكون قوة عظمى ضد كل من القلب (روسيا) والأطراف (أميركا وحلفائها البحريين).

المغول وإن اجتاحوا الدولة العباسية إلا أنهم انهزموا في نهاية المطاف، والقوى البحرية (الأوروبية في ذلك الوقت) لم تكن قادرة على هزيمة منطقة الهلال الداخلي.

الآن ما الذي سوف يجعل دول هذه المنطقة تتحد وتكون دولة واحدة قوية، تواجه قوى البحر عبر شواطئها وقوى البر كذلك عبر أراضيها الممتدة؟ دعني أطرح التساؤل بطريقة أخرى؛ ماهي العوامل التي تساعد على اتحاد هذه الدول؟ هل الدين، اللغة، التاريخ، الحضارة، الخوف من الآخرين، عوامل مهمة في الاتحاد؟

إذا أمعنا النظر في العوامل السابقة، نجدها على الأغلب موجودة في منطقة الاصطدام، وربما هذا من الأسباب التي تجعل الدول العظمى تتدخل من أجل (تفتيت) المنطقة إلى دويلات صغيرة يصعب جمعها مرة أخرى.. ونعود إلى قراءة التاريخ في الماضي، منذ فجر الإسلام، كانت المنطقه تقريبا متحدة إلى نهاية الخلافة العثمانية واتفاقية سايكس بيكو في بداية القرن الماضي. لقد كانت نظرية سبيكمان تنطبق تماما على تلك الفترة التاريخية الطويلة، فكانت المنطقة صعبة على كل من قوى البر، أو قوى البحر… فالمغول وإن اجتاحوا الدولة العباسية إلا أنهم انهزموا في نهاية المطاف، والقوى البحرية (الأوروبية في ذلك الوقت) لم تكن قادرة على هزيمة منطقة الهلال الداخلي، أما الآن وبعد تقسيم المنطقة إلى مجموعة دول، أصبحت سهلة للاختراق وآمنه بالنسبة للقوتين البرية والبحرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.