شعار قسم مدونات

الصيننة كلمة السر في وثبة أُمة

blogs- الصين
يتساءل الكثيرون عن أسباب نهضة دول مثل الصين وماليزيا وسنغافورة بينما لا نزال نتحسس مواطئ أقدامنا، إن النظر في حالة دولة الصين وما أنجزته خلال ال35 عاما الماضية يجعلنا في بحث دقيق عن الأسباب التي أدت لنهوض هذه الأمة، رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها، وبالمقابل كيف نستفيد من تلكم التجربة حتى تتسنى لنا معالجة علاتنا التي تزداد يوما بعد يوم.

من خلال التجربة والملاحظة وجدت أن السبب في ذلك يعود إلى عملية الصيننة، التي تعني باختصار وضع القالب الصيني والشخصية الصينية لكل ما هو مستورد، مستندين في ذلك على الثقافة والتاريخ والعادات والتقاليد الصينية المتوارثة.


من خلال التجربة والملاحظة وجدت أن السبب في ذلك يعود إلى عملية الصيننة، التي تعني باختصار وضع القالب الصيني والشخصية الصينية لكل ما هو مستورد، مستندين في ذلك على الثقافة والتاريخ والعادات والتقاليد الصينية المتوارثة.

ربما يظن البعض أن هذه العملية سهلة ويمكن أن تحدث بكل بساطة ولكن هذا غير دقيق، فهذه العملية في الأول والأساس، عملية بناء معرفي لنهضة أمة، لذلك تنبغي أن تتأسس على نظرية تستمد قواها من جذورها التاريخية والعوامل المصاحبة التي أوجدت هذه الامة، وهذا يتم من خلال استصحاب مجموعة من العلوم الإنسانية، مثل علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ، وغيرها من العلوم ذات الصلة من أجل وضعها في قالب واحد تتحقق من خلالها عملية النهوض.

عكف بعض المثقفين والمفكرين العرب على تشخيص الداء، فبرعوا في ذلك ولكننا ما زلنا نتشوق لوصف الدواء الذي يتطلب مرونة و شجاعة عاليتين، والاستعداد للتضحية بالذات والأطماع الشخصية، من أجل بناء مجتمع رسالي يقود نفسه مستندا على إرث حضاري قدم الكثير للرسالة الإنسانية.

التجربة الصينية جديرة بالدراسة والتدقيق والتمحيص، كما اعتقد أن عملية الصيننة هي كلمة السر في بناء دولة الصين الحديثة، حيث تصدى مفكروها بكل جرأة وثبات لمهمة صعبة وشاقة ألا وهي وضع الماركسية والاشتراكية في القالب الصيني بناءً على رؤية واضحة لقيادة حلم أمتهم الذي عبر عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلا إن الحلم الصيني في النهاية هو حلم الشعب.

دأب مفكرو الحزب الشيوعي الصيني على بناء المنظومة الفكرية التي تزرع الثقة في مواطني بلدهم يوما بعد يوم بمرونة وثقة إذ جاء في التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي قوله (إننا لم نسلك الطريق القديم المتسم بالانغلاق والتحجر فكريا، ولا طريق الضلال المتمثل في تغيير الراية).

هنا تتجسد المرونة التي تحلى بها الحزب الشيوعي الصيني واستعداده للتخلي عن كل تلك المفاهيم التي لا تؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود مع التمسك بالهدف المرسوم لتحقيق أهدافه، فكرة ابتداع نظام خاص بدولة الصين وحده، جعل كل فرد يعرف دوره بالتحديد، مما خلق نوعا من التناسق والإنسجام، فلا تجد تداخلا في الاختصاصات، ولا تصادما من أجل المنفعة الفردية أو المصلحة الحزبية، كتلك التي تحدث في منطقتنا، وهذا يقودنا لطرح أسئلة أهمها.

كم راية تم تغييرها في عالمنا وأوطاننا ؟ هل لدينا الثقة الكاملة لمراجعة الأفكار التي أوجدت واقعنا؟ أم أنها دائرة مغلقة لا ينبغي الدخول إليها.. هل نستطيع أن نستنبط من تاريخنا وثقافتنا وقيمنا نظام إدارة وحكم تنهي التناحر والاقتتال بيننا؟

إن عملية الصيننة أوجدت في النهاية حالة من الاعتزاز والفخر للشخصية الصينية، مما انعكس على تغليب النزعة الوطنية على الفردية التي قادت بدورها إلى وضوح الرؤية التي تتمحور حول بناء دولة قوية هدفها إسعاد ورفاهية شعبه.

إن عملية البناء المعرفي تتم في المقام الأول عن طريق تحرير العقول، من أجل الإصلاح والإبداع والتحلي بالمرونة الكافية لقبول كل ما هو جديد، وذلك بعد التمحيص والتدقيق، استنادا على القيم المجتمعية والدينية الثقافية لتاريخنا الطويل.
 

الصين قبل عملية الانطلاق تحسست مواطئ قدميها وبنت أفكارها على خصوصيتها وتاريخها ونظرتها لمستقبلها، مما أوجد حالة من التوافق النفسي الذي بدوره قاد لتعميق الإحساس لدى المسؤولين، إن عملية بناء الدولة القوية المتماسكة تكمن في التحلي بالمسؤولية والاستعداد للتضحية من أجل الوطن والمواطن.
 

حتى يتسنى لنا اللحاق بركب الأمم المتقدمة، علينا مراجعة أنفسنا وواقعنا، مراجعة معرفية تستند على أرضية فكرية، بعيدا عن تلك العقلية التي تجعلنا نأخذ كل ما يأتي إلينا دون معرفة ما إذا كان ذلك سيناسبنا ومستقبلنا، أم أنه سيكون سببا من أسباب تأخر أمتنا.

إن المنطق في عملية صيننة الماركسية هي أن أفكارها وجدت في بيئات لا تتناسب مائة بالمائة مع واقع الصين ولذلك كان لا بد من قولبتها على الوقع الصيني وأخذ ما يناسب الأمة الصينية وظروفها.


حالة الصيننة أتت من منطلق قوة للدولة في استقلاليتها، وترك كل ما لا يتناسب مع الصين، ومثالا لذلك وضع الشروط على شركات الانترنت مثل الفيس بوك وقوقل أنها إذا أرادت العمل في السوق الصينية عليها الالتزام بشروط الحكومة الصينية، مثل هذه الحالة يصعب أن توجد في منطقتنا وذلك لحاجتنا لمنتجاتهم و اعتمادنا عليهم.

إن فشل الأنظمة السياسية سواء كانت اليمينية أو اليسارية في منطقتنا، هو فشل فكري في المقام الأول، وسبب الفشل هو في عدم اخضاع المفاهيم المتوارثة والمستوردة للواقع الذي نعيشه، من أجل رسم المستقبل الذي نريده، مما أوجد حالة من الاغتراب النفسي.

حتى يتسنى لنا اللحاق بركب الأمم المتقدمة، علينا مراجعة أنفسنا وواقعنا، مراجعة معرفية تستند على أرضية فكرية، بعيدا عن تلك العقلية التي تجعلنا نأخذ كل ما يأتي إلينا دون معرفة ما إذا كان ذلك سيناسبنا ومستقبلنا، أم أنه سيكون سببا من أسباب تأخر أمتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.