شعار قسم مدونات

الحجاب بين الحرية والعقيدة

VIENNA, AUSTRIA - DECEMBER 01: Women wearing headscarves walk on the street on December 1, 2016 in Vienna, Austria. Polls indicate that right-wing populist presidential candidate Norbert Hofer has a strong chance of winning presidential elections scheduled for December 4. Hofer has in his campaign rhetoric warned of criminal immigrants and stated that Islam shall not be a part of Austria. He has also courted right-wing media and openly worn the cornflower, an early-20th century symbol of a pan-German empire. Two leading members of his party, the Austria Freedom Party (FPOe), have past ties to neo-Nazi groups and the party includes supporters who advocate the return of South Tyrol, which became part of Italy after World War I. (Photo by Alex Domanski/Getty Images)
الحرية مطمح كل نفس بشرية ويكمن في أعماق النفس والشعور بها ضرورة لضمان الإيجابية والتوازن والعطاء والتفاعل مع الآخر وهي مهمة لاكتساب مهارة التعبير عن الذات وقراءة ما ينضح عن الآخر من أقوال وأفعال ومواقف وإدراك ما يتوصل إليه مسار الحضارة الإنسانية بوعي وموضوعية وبعيداً عن الببغاوية ودون مبالغة أو جنوح للعشوائية في إطلاق الأحكام أقول أن أهمية الإحساس بالحرية كأهمية الأكسجين للإنسان، لأنه بدونها تنحسر قدراته وردود أفعاله وتتلكأ مسيرته أو تتعطل في إثبات ذاته والتعبير عنها كفرد له طابعه وتميزه، وتصير حياته آلية عموماً.
 

هكذا هي ضرورة الحرية للجنس البشري لذا لا يفتأ الإنسان يرنو إليها ويطالب بها عبر وسائل عديدة وطرق شتى وربما عبر عنها البعض -وخاصة من الجنس اللطيف- بالتجرؤ مثلاً على رفض زيّ ما، كزيّ المرأة المسلمة ومنه الحجاب ظناً منها بأن الحرية تبدأ بالتمرد على ما فرض علينا عقائدياً أو عرفياًحتى، ولها كل الاحترام طالما أرادت أن تعيش بمصداقية مع نفسها ولطالما كان موقفها محطة على طريق التجريب والاكتشاف وكلا الأمرين مشروع ومعقول.
 

لو تركنا أنفسنا على صفة الحيوانية لفاتتنا الحكمة ولما كانت هناك ضرورة لنتميز بفضل الله بالعقل ولعشنا وانتهينا كما تنتهي حياة الحيوان دون هدف أو ثمرة.

لكن دعوة للالتفات لتاريخ تطور الإنسان يمنحنا استنتاجاً منطقياً صحيحاً وهو أنه عبر تطوره من البدائية للمدنية كان يكسو جسده ويستره شيئاً فشيئاً وهو يروّض سلوكه ويؤنسن مظهره نأياً به عن الشبه بالمخلوقات الأخرى لا العكس، ابتداء من ورقة التوت وحتى لباسه المعاصر، علاوة على أن الأديان السماوية كلها فُرض فيها الحجاب على النسوة إذن: ألا يدعونا هذا للتساؤل عن جدواه قبل رفضه والتهجم عليه وعلى من التزم به؟
 

كيف لا والعقل والعلم والمنطق بما فيه من تجريب واستنتاج أساس حياتنا الإنسانية المتطورة دائماً، وكيف لا ونحن أفضل خلق الله فنحن الحيوانات الناطقة أي العاقلة، فلو تركنا أنفسنا على صفة الحيوانية لفاتتنا الحكمة ولما كانت هناك ضرورة لنتميز بفضل الله بالعقل ولعشنا وانتهينا كما تنتهي حياة الحيوان دون هدف أو ثمرة، فأيّ ضير في ستر مفاتن المرأة والحفاظ عليها وعدم عرضها وتعريضها لأذى المتطفلين ولمهانة المخاطرة بل تسخيرها لعلاقات شرعية منظمة تخدم آدميتها ومدنيتها وتكفل لها وللأسرة والمجتمع السلامة والاستقرار؟!
 

وتحضرني في مخيلتي نماذج كثيرة من النساء اللواتي فشلن في رصد حريتهن الحقيقية وتنميتها وترجمتها لمصلحتهن، بغض النظر عن كونهن محجبات أم لا وذلك لأنهن اعتمدن في ذلك على المظاهر والقشور في أجسادهن وأهملن الجوهر في أعماق نفوسهن، والحجاب واحد من هذه المظاهر فيمكن أن يبقى كذلك في عداد القشور كغيره من التقليعات فلا يؤدي دوره في حفظ كرامة المرأة، ولكن يمكن أيضا ًأن يكون نوعاً من تثمين الذات بل ثمرة إحساس حرّ عميق بحرمة الجسد وتمييزه والسموّ به لا إغراقه في حيوانيته وفي هذه الحالة فقط لن تبحث المرأة عن حريتها تحت الحجاب بل تعيشها حقيقة مشعة من داخلها وبكل جوارحها حقيقة ماثلة في شخصها وليس في خلع كسائها أو حجابها . 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.