شعار قسم مدونات

الاستيطان العكسي

مدونات - الاستيطان

إن الاستيطان ظاهرة شاذة، ربما لم يشهد التاريخ مثيلًا لها، اختلقها الصهاينة وطبّقوها في فلسطين فنجحتْ في تجميع اليهود من كافة أصقاع الأرض، ولم تكن هذه الظاهرة هي الوحيدة التي استخدمها اليهود في نهب الأراضي الفلسطينية، بل استخدموا طرق أخرى من ضمنها التطهير العرقي الذي تجلى في ارتكاب المجازر وتهجير السكّان الأصليين.
 

بنى الصهاينة أول مستوطنة في فلسطين سنة 1878م شرق تل الربيع-يافا وكانت تحمل اسم "بتاح تكفا" أي "فتحة الأمل" وهذا يُوْصِلنا إلى أنّ اليهود لم يقوموا بتطبيق هذه الطريقة حديثًا بل منذ زمن بعيد جدًّا، وما زالت هي الطريقة المُثلى لهم في تحقيق أهدافهم بالاستيلاء على الأراضي.
 

ساعد الإنجليز اليهودَ في بناء المستوطنات عندما كانت فلسطين تحت الاستعمار البريطاني، وتركّز بناء المستوطنات في القدس في محاولات اليهود الدائمة لجعل الأغلبية لهم في المدينة التي تشكّل العمود الفقري للقضية الفلسطينية. يعود اهتمام اليهود بالاستيطان الكثيف في القدس أيضًا، إلى اعتبارها عاصمة لدولتهم، وقال في ذلك ديفيد بينجوريون عندما أعلن قيام ما يسمى بدولة إسرائيل " لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل".
 

تعتمد سياسية الاستيطان العكسي على تجميع الفلسطينيين في الأماكن المعرضة للنهب من قبل اليهود، وجعلهم قوة متماسكة تستطيع مجاراة الاستيطان ومقاومته بل ومنعه.

وأيضًا نظرًا لموقع المدينة المميز والذي يمثل العصب الفلسطيني الذي إذا ما تمّت السيطرة عليه سَهّل السيطرة على ما بعده من أراضي ومواطن حساسة تعمل على تمزيق النسيج الفلسطيني وتفتيته اتباعًا لنظام "فرّق تَسُد" الذي اتبعته الأنظمة الاستعمارية الدكتاتورية في الوطن الإسلامي والعربي منذ القِدم وطبّق اليهود هذا النظام داخل فلسطين كي تُضعف تماسك المجتمع ونجحتْ في ذلك.
 

وصل عدد المستوطنات إلى 160 مستوطنة وأكثرها في القدس، لتصل عدد المستوطنات فيها إلى 27 وفي محافظة رام الله والبيرة وصل عدد المستوطنات إلى 27، أما جنين 9 مستوطنات ونابلس 48 مستوطنة وطولكرم 4 مستوطنات وبيت لحم 18 مستوطنة وأريحا 11 مستوطنة والخليل 27 مستوطنة، وتستمر السياسة الصهيونية في تكتيف الفلسطينيين وتمزيق تجمعهم من خلال تكثيف بناء المستوطنات في أماكن حساسة من الضفة الغربية.
 

إنّ استمرار تلك السياسة التي لم تتوقف رغم القرارات الدولية التي أدانتها، يحتّم علينا التفكّر في كيفية منع استمرارها أو على الأقل الحد من انتشارها، ولعل الطريقة المناسبة لذلك هي خلق سياسة موازية لها في الطريقة ومعاكسة لها في الهدف، تقف أمامها وتمنع انتشارها وتفشيها. ويكمن الحل من وجهة نظري في عملية تسمى "الاستيطان العكسي" وهي إحدى الطرق السلمية في ظاهرها والمسلحة المقاوِمة في فحواها، وهي طريقة تجعلنا نظهر أمام العالم بصورتنا المسالمة وأمام الصهاينة بصورتنا المقاومة الصامدة.
 

تعتمد سياسية الاستيطان العكسي على تجميع الفلسطينيين في الأماكن المعرضة للنهب من قبل اليهود، وجعلهم قوة متماسكة تستطيع مجاراة الاستيطان ومقاومته بل ومنعه، ويجب استغلال الأحداث القائمة في المنطقة من أجل إطلاق مشروع عودة اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في سوريا ولبنان والأردن وليبيا واليمن إلى الضفة الغربية، وبناء وحدات سكنية لهم في الأماكن التي هي مطمع لليهود، وعلى القيادة الفلسطينية الاستعانة برأس المال الفلسطيني الخارجي الذي يتمثل في رجال أعمال لهم ثقل اقتصادي كبير، وحثهم بكافة السبل على تمويل بناء هذه التجمعات السكنية إن لم تستطع السلطة أن توفر التمويل اللازم للبدء في المشروع..
 

يجب التحرك من أجل إنقاذ ما تبقى من المناطق التي يقطنها الفلسطينيون في القدس لأنّ القدس تشكل حالة خاصة في تَقَدُم القضية الفلسطينية، إضافة إلى الخطر الذي يحيط بها والذي يزداد باستمرار خصوصًا بعد إصدار الكنيست لقانون شرعنة الاستيطان.

ويجب تزويد هذه التجمعات بمجموعات أمنية لحمايتها من هجمات المستوطنين مما يعمل على تكوين قوة شعبية مسلحة داخل فلسطين لا يقتصر أمرها على مواجهة الاستيطان بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. تحتاج تلك النظرية إلى حنكة فلسطينية كبيرة بحيث يتم البناء باستراتيجية معينة في الضفة الغربية لتصبح هذه التجمعات البشرية عائقًا أمام الرؤية الصهيونية والمخططات التي تنفذ ليلًا ونهارًا. إنّ تطبيق تلك النظرية يعتمد بشكل مطلق على الإرادة الفلسطينية التي لا تقترن بأيّ شيء أخر، إضافةً إلى تكثيف الجهود في الخروج ضدّ الاستيطان ومحاربة استيلاء اليهود على أيّ قطعة أرض جديدة ويوازي ذلك حشد إعلامي وتحرك شعبي يعمل على نقل صورة معينة إلى المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية.
 

ويجب التحرك بشكل فوري وسريع من أجل إنقاذ ما تبقى من المناطق التي يقطنها الفلسطينيون في القدس لأنّ القدس تشكل حالة خاصة في تَقَدُم القضية الفلسطينية، إضافة إلى الخطر الذي يحيط بها والذي يزداد باستمرار خصوصًا بعد إصدار الكنيست لقانون شرعنة الاستيطان الذي سيعمل على زيادة عدد المستوطنات بشكل مهول في محاولة اليهود تحقيق حلمهم البعيد بإنشاء دولة إسرائيلية على كافة أراضي فلسطين.
 

ارتفعتْ نسبة الاستيطان إلى 57 بالمائة في الفترة الأخيرة، وهناك مئات المخططات لمنح تراخيص بناء 273000 وحدة بناء لذلك يجب تبني فكرة الاستيطان العكسي كاستراتيجية عمل سياسي مقاوم تسير عليه القيادة الفلسطينية في مجابهتها ومقاومتها لحملة الاستيطان الشرسة المستمرة والتي لا تأبه أن تشرّد وتقتل وتدمر البنية الفلسطينية السكانية والاقتصادية والتاريخية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.