شعار قسم مدونات

ميزان العاطفة والعقل

blogs - scale

نحن في مجتمع يأبى الموازنة بين العقل والعاطفة تبعاً لانقسامه الذاتي ومن ثم الخارجي، فإما أن نتجاهل الجانب العاطفي لتطغى العقلانية على جانب ليس بأقل أهمية منه لنصبح ذو آلية مجردة من أي مشاعر أو عاطفة إنسانية..

العقلانية هي أساس الوجود أو التفضيل البشري لكائن عن آخر.. العقلانية هي أساس البناء المجتمعي المنظم بأركان وأسندة متينة غير قابلة للانهيار مهما طرأ عليها من عوامل تعرية زمانية أو مكانية.

خُلقنا في الأرض من أجل إعمارها بالخير.. منذ البدء فضّل الله خلق أدم عليه السلام بنعمة العقل.. العقل هو المُشغل الأجدر لكيان البشر.. فكيف لك أن تتغافل عن جانب ميز به الله خلقه بنو آدم عليه السلام.. الكمال المطلق هو مراد أزلي للبشرية، الكمال المجتمعي لا يتحقق السعي له إلا بكمالية العقل..

العقل هو ذلك الصندوق المنظم ولكن هذا لا يمنع من أن يكون العقل هو المنظم الرئيسي للعاطفة إذن العاطفة من أين تولد وتُحفز من العقل وليس من القلب كما يظن الأغلب.. إن العقل البشري هو المحرك والمنظم والمؤشر الحقيقي للعاطفة الإنسانية مما لا يعني وجود بشر عاطفيين على المطلق أو بشر عقلانيون على الصعيد الاخر.

إن ادعائنا وفخرنا بعقلانيتنا المطلقة ليس إلا قسوة قلب وهي من ثمرات المعاصي. وأيضاً في "استفتِ قلبك" دلالة على أن المشورة تعود للقلب وأن انتزاع العاطفة هو  انتزاع لأساسيات التعامل بين البشر.

يوجد شخص يطغى إنتاج وتنظيم عقله الفكري على عاطفته، وآخر تنظيم عقله العاطفي يطغى على الفكري. هذا هو فحوى الفرق بين العقلانيين والعاطفيين، فلا فكر ولا عاطفة مطلقة بدون عقل، العقل المحرك المشغل لكل ما نتوقع ولا نتوقع على المطلق.

قناعاتي هذه دفعت بفضولي للبحث أكثر في الموضوع وعلى الجانب الشرعي لهذا الموضوع على الخصوص. فاستوقفتني قول الله تعالى "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" توقفت عند (قلوب يعقلون بها) كثيراً وعند تفسيرها وجدت بأن الله ربط مصدر القرارات العقلية بالقلب أي أن عقولنا مُجملة بالعاطفة وقلوبنا ليست مجردة من العقلانية!

وأن ادعائنا وفخرنا بعقلانيتنا المطلقة ليس إلا قسوة قلب وهي من ثمرات المعاصي. وأيضاً في "استفتِ قلبك" دلالة على أن المشورة تعود للقلب وأن انتزاع العاطفة هي انتزاع لأساسيات التعامل بين البشر كالحب والمودة والرحمة والإنسانية وحتى عقلانيتك في مصالحك وقراراتك لا تتم إلا بما اطمأنت إليه نفسك وما أطمأن له قلبك.

وفي دلالة أخرى على ذلك قوله تعالى "قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا". وإن بحثنا عن أيات فضل العقل في القرآن الكريم لوجدنا أكثرها مثل "أفلا يعقلون" ، "أفلا تتفكرون" ، "لعلكم تعقلون" ، "فهم لا يعقلون" وكأنها أساليب استفهام غرضها الإنكار والتوبيخ. وكأن الإنسان مهما بلغ مسعاه فلن يصل إلى العقلانية المطلوبة.

"إني رزقت حُبها" تصريح مباشر بأن العاطفة ولين القلب والحب رزق ونعمة من الله لا يهبها إلا لمن يقدّرها ويستحقها.. نهايةً.. حتى لا تضيع بين قسوة العقل و انجراف العاطفة احكم إنسانيتك أولاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.