شعار قسم مدونات

غزة أوفتْ بوعدها

مدونات - اغتيال فقه

ثمانية وأربعين يوماً مرّت على غزة وهي تعيش حالةً من الإرباك والخوف والترقب وعدم الاستقرار والطمأنينة والحزن الشديد، نتيجةً لعملية اغتيال القائد القسامي والأسير المحرر مازن فقها من قبل أيادٍ غادرة أمام البيت الذي يسكن به غرب المدينة.

منذ لحظة الاغتيال، تتابعت الأحداث والتصريحات والخطابات والمؤتمرات والتصريحات عن شتى الجهات والمؤسسات والشخصيات، جُلّها حملت رسالة الشجب والاستنكار والتنديد بهذه الجريمة والمطالبة بالكشف عن منفذيها واعتقالهم، كما حمّلت الاحتلال الصهيوني مسؤولية الجريمة سواءَ بشكلٍ مباشر أو غيره، إلا أنَّ الأجهزة الأمنية والمقاومة كانت لها كلمتها الخاصة وبصماتها الواضحة حين أعلنت عن فتحها لجنة تحقيق عاجل وعلى أعلى المستويات الأمنية في القطاع لتواصل عملها ليلاً ونهاراً وعلى مدار الساعة دون كللٍ أو ملل في سبيل فكّ اللغز الذي حيّر ابناء القطاع.
 

عمدت الأجهزة الأمنية على إغلاق كافة المنافذ وتشديد المراقبة والسيطرة على الحدود البرية والبحرية للقطاع ووضع الحواجز في الشوارع كخطواتٍ احترازية وضرورية لضمان سلامة سير لجنة التحقيق على أكمل وجه، ثم تلا ذلك قرارًا للنائب العام بقطاع غزة يقضي بموجبه "حظر النشر وتداول أية تفاصيل تتعلق بالتحقيقات في القضية"، بهدف الحفاظ على سرية التحقيقات وعدم التأثير على مجرياتها بشكل كامل، الأمر الذي أحدث ترّقباً أكبرَ وأكبر مما كان عليه في بداية الأمر في صفوف المواطنين.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي فرحاً بنبأ اعتقال قاتل الشهيد "فقها" مشيدةً بدور الأجهزة الأمنية في كشف القاتل واعتقاله في غضون أيامٍ وأسابيعَ قليلة، حتى وصل الأمر عند بعض النشطاء للمطالبة بتسليم ملف اغتيال عرفات للأجهزة الأمنية بغزة.

صغير غزة وكبيرها وشيخها ورضيعها ونسائها ورجالها ما إن سمعوا بقضية الاغتيال والشخص المستهدف، حتى باتوا وكأنهم لا يريدون شيئا إلا رأس المجرم القاتل ومن لفّ خلفه ودار بدائرته في حياكة وتدبير هذه الجريمة، فكانوا متفهّمين وقابلين بكل الإجراءات الأمنية التي نّفّذت خلال الأيام الماضية، خصوصا أنَّ الشهيدَ ضيفٌ على غزة ومبعدٌ إليها بعد تحريره من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار، فكان حديثهم أننا لن نبيع دماء ضيفنا أبدا وطالبوا الضيف بالانتقام لضيف غزة.

مع بداية ساعات الخميس الماضي، بدأت الوكالات الإخبارية تتناقل خبرًا موسومًا بكلمة عاجل مفاده : "بعد قليل خبر هامْ حول قضية اغتيال الشهيد فقها ومجريات التحقيق فيها"، وما أن خرج هذا الخبر حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالنشر والترقب والانتظار على أحر من الجمر لما سيحمله هذا الخبر من بشريات لأبناء الشعب الفلسطيني، حتى بدأ المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادة حركة حماس ممثلة برئيس مكتبها السياسي الجديد إسماعيل هنية ورئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار ومسؤولي الأجهزة الأمنية ولفيف من الأسرى المحررين ورفقاء الشهيد وأعلن خلاله عن الخبر الذي غيّر قسمات وجوه كل من كان يتابع بترقّبٍ وانتظار مجريات القضية وهو " كشف واعتقال القاتل والمنفذ لعملية اغتيال الشهيد مازن فقها".

بدأت الألعاب النارية تُطلق في الهواء والحلوى تُوزّع في الشوارع والطرقات والابتسامة تعود على الشفاه بمجرد انتهاء المؤتمر، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي فرحاً بنبأ اعتقال القاتل ومُطالبةً بضرورة الإسراع في تنفيذ الحكم الثوري بحقه ومشيدةً بدور الأجهزة الأمنية في كشف القاتل واعتقاله في غضون أيامٍ وأسابيعَ قليلة، حتى وصل الأمر عند بعض النشطاء للمطالبة بتسليم ملف اغتيال عرفات للأجهزة الأمنية بغزة، تعبيرًا عن قوتها وعقليتها وحنكتها في التعامل مع الملفات والمجريات الأمنية.

لكن؟ يتساءل الكثيرون، اغتيل فقها.. وبعد أقل من خمسينَ يومًا كُشف القاتل وتم اعتقاله وسيتم محاكمته على قاعدة العدالة الثورية وتنفيذ الحكم بحقه، واغتيل الرئيس ياسر عرفات قبل ثلاثة عشر عام، وإلى الآن لم نعرف ولم ندري شيئاً عن قاتله، أو حتى شيئًا يسيرًا من مجريات التحقيق في القضية، فإلى متى، ولصالح مَنْ يتم إغلاق القضية أو طمسها وتغييبها؟

ويبقى أنَّ غزة وأجهزتها الأمنية ومقاومتها أوفت بوعدها الأول وكشفت عن القاتل وكل من ساهم في جريمة الاغتيال، ويبقى الوعد الثاني مرهونًا بقرارٍ من قيادة أركان المقاومة الفلسطينية لنسمع خبرًا مفاده "أوفت المقاومة وانتقمت لدماء ابنها وقائدها مازن فقها، "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.