شعار قسم مدونات

عن جيلنا المفترى عليه

blogs - شباب مصر
عن هؤلاء الذين تزامن ميلادهم مع الموت واختلطت صرخاتهم الأولى مع أصوات الرصاص، الذين حبوا بين شظيّة قنبلة تفجًرت في حيّ بغدادي وهيكل سيارة تفحّمت في باب الوادي، عن الذين فتحوا أعينهم فرأوا أوّل ما رأوا زوّار الليل الملثّمين يجوبون شوارع صفاقس، وجلّادي النّهار مكشّري أنيابهم في طرقات مراكش، عن الذين وجدوا فوهة الرّشاش تناغيهم قبل أن يلاطفهم الأب والأمّ والجدّ، عن جيل التسعينيات أحدّثكم اليوم.
يقولون عن جيلنا إنّه مائع وتائه لا يعرف من الدنيا سوى مباريات كرة القدم ومسابقات الغناء والرقص وصرخات الموضة، جيل سقطت أخلاقه وفسدت خلاله، أفسده الفيس (الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة) والفيسبوك كما قال أحد الوزراء الجزائريين، وأفسدته أغاني الرًاي التي تحثّه على الحرڨة والهجرة السرية كما يقول زميله في الحكومة، بكلّ بساطة هكذا يروننا في بلادي!

أما في مصر فكلّما طالب شبابها بحقّهم في الحرية والانعتاق زمن مبارك أخرج لهم من زبانيته من يسفّه أحلامهم فيقول عن مظاهراتهم إنّها "لعب عيال" ويرسل لهم زوّار الليل يقودونهم إلى زنازين العذاب، وكذلك فعل بن علي في تونس والأسد في سوريا، وفي كلً شبر من هذا الوطن الكبير من ماء طنجة إلى ماء الفرات حتّى جاء اليوم الموعود في بلدان قرّر فيها هؤلاء رفع أصواتهم عاليا في الساحات والميادين، حينها فقط تفطّن الحكّام إلى أنّ "العيال كبرت" ولم يعد هناك مجال لتجاهل مطالبهم.

نحن أبناء الجيل المفترى عليه، تحمّلنا خطيئاتكم في الماضي وتريدون أن نتحمّلها في المستقبل، ذبحتم أحلامنا في مهدها ولم ترقبوا فينا إلّا ولا ذمّة، رفضتم أن تتجدّدوا لنغضّ الطرف عنكم.

أثبت الشباب جدارتهم ووعيهم منذ اندلاع شرارة الثورات العربية وما زالوا إلى اليوم يجودون بأنفسهم ودمائهم، ويضحّون ويتعذبون ومع ذلك ما زال هناك جمع من المثقفين والسياسيين يتّهمون جيلا بأكمله بالتقاعس والكسل، مات القذافي وبقي من يصرخ نيابة عنه: من أنتم؟

نحن جيل الإبادة الثقافية الذي تريدون أن تجعلوا منه تبّعا لكم لا ينازعونكم الحكم والإدارة، نحن الألى ضحّيتم بحاضرهم وتريدون رسم مستقبلهم بأنانيتكم وغيّكم، نحن الذين أفسدتم مناهج تعليمهم لتجعلوا منهم مسوخا لا يدرون أيّ قبلة يستقبلون إن التزموا رميتموهم بتهم التزمّت والتطرّف وإن توسّطوا جررتموهم إلى مهاوي الانحراف والانحلال الخلقي، جهّلتموهم ثمّ اتّهمتموهم بالعجز عن صناعة البديل، خلخلتم تكوينهم لتقولوا إنّهم غير أكفاء فقط لتستحوذوا على المناصب والمسؤوليات وتورّثوها أبناءكم الذين أرسلتموهم بأموالنا إلى الخارج ليتعلّموا ثم يعودون ليحكمونا حتّى إذا أقبل السّيل العارم وهدرت الجماهير حملتم كنوزكم المسروقة وفررتم أنتم زطافكم إلى بلاد الغرب التي تلصقون حراك الشّباب بها، وأنتم بالتهمة أجدر وعلى الخداع والتدليس أقدر.

نحن أبناء الجيل المفترى عليه، تحمّلنا خطيئاتكم في الماضي وتريدون أن نتحمّلها في المستقبل، ذبحتم أحلامنا في مهدها ولم ترقبوا فينا إلّا ولا ذمّة، رفضتم أن تتجدّدوا لنغضّ الطرف عنكم هنيهة، ظللتم منكفئين على أنفسكم حتّى تجاوزكم الزّمن فبدلا أن تذرونا نقفز بكم إلى الأمام تجرّوننا إلى الخلف، كلّما حاولنا أن نرتقي إلى أعلى تعلّقتم بأثوابنا لتنزلونا إلى أسفل سافلين حتى لمسنا بأقدامنا القاع ولازلنا أنتم ونحن فيه مزدحمين.

نحن جيل يحمل من العيوب ما يحمله كلً جيل لكنّكم تريدون منه أن يبوء بإثم يفوق حجمه رغم أنًنا بكلّ ما فينا صنيعة أيديكم، إن كنّا ذوي كفاءة فلماذا تمنعونا حقوقنا وإن كنّا أهل قصور فذلك من سابق فعل أصحاب القصور.

جيل بأكمله على وشك الضّياع ولد بين الرّكام وترعرع بين الخرائب وما فتئ يغالب واقعه بصبر وعزيمة إلى أن تعلّم وانفتح على العالم وأتقن استخدام التكنولوجيات الحديثة وتمرّن لسانه على لغات الشّعوب الأخرى فقارن وحلّل وفسّر وعلّل واستنبط في النهاية أنّ وجهته مجهولة ويده عن التغيير تكاد تكون مغلولة حين لم تشفع له ثقافته وغيرته على أمّته بتبوّأ القيادة وظلّ على الهامش ينازع الحكومات بحماس لا يناقض الحنكة وعنفوان لا يعارض الحكمة، بصبر عزّ نظيره وثبات قلّ مثيله، كلّ برهة صوت مبحوح يصرخ أن أيّها الجاثم كاللّيل على صدورنا تجدّد أو تعدّد أو تبدّد(1).

نحن جيل يحمل من العيوب ما يحمله كلً جيل لكنّكم تريدون منه أن يبوء بإثم يفوق حجمه رغم أنًنا بكلّ ما فينا صنيعة أيديكم، إن كنّا ذوي كفاءة فلماذا تمنعونا حقوقنا وإن كنّا أهل قصور فذلك من سابق فعل أصحاب القصور، والفرق بين قصورنا وقصوركم أنّ قصورنا نتيجة زيغكم وقصوركم شيّدت بأموال خزائننا، لذا فجميع حججكم مردودة عليكم ولو أخذتكم العزّة بالإثم مأخذ سوء لا محالة أنتم واردوه مادمتم كما نراكم تتشبثون بالكراسي وتتعلًقون بالتّهم الزائفة كي نرهَبكم ونخلّي بينكم وبين مستقبلنا تعبثون به كما عبثتم بحاضرنا لكن هيهات أن يدوم ذلك، لقد بلغ الصبر منتهاه والسيل قد اقترب ألا فارتقبوا إنًا معكم مرتقبين، والله غالب على أمره!

________________________________________

الهامش:
1-من قصيدة للشاعر الجزائري عمر أزراج

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.