شعار قسم مدونات

العقد الاجتماعي العربي ولماذا نخضع للسلطة؟

blogs-parliment
إن الدولة بكل أشكالها هي نتيجة اتفاق عقدته أي جماعة على تشكيل كيان سياسي (تنفيذي وتشريعي وقضائي) يدير حياتهم ويحميهم من الأخطار الداخلية والخارجية ويضمن حقوقهم الطبيعية، بإعادة صياغتها إلى حقوق اجتماعية. هذا أبسط تعريف للدولة يمكن أن نقدمه، فالدولة هي نتيجة اتفاق أو عقد يبرمه المجتمع مع نفسه، واصطلح على تسمية هذا الاتفاق بالعقد الاجتماعي، يبحث الأخير علاقة المواطن والدولة، ويقدم الإجابة لسؤال مهم، لماذا يجب أن نخضع للسلطة؟

ثلاثة مفكرين كبار عالجوا العقد الاجتماعي بحثًا وتفصيلًا، هم توماس هوبز، وجون لوك، وجاك جان روسو، قدم الثلاثة تصوراتهم للبشر قبل قيام المجتمعات تحت عنوان (الحالة الأصلية)، فهوبز يعتقد بهمجية الإنسان وميله للشرور، وروسو يقول بحياد الطبيعة الإنسانية بين الخير والشر، أما لوك فيميل إلى الخير الفطري في الإنسان.

إن غياب أي هذه التصورات، أو أي ضبابية في علاقة المواطن والدولة، يأخذنا لزامًا لغياب الثقة بين الدولة وأجهزتها والمجتمع وما يتبع هذا من تشوهات في الهوية الوطنية.

ولاختلاف الثلاثة في هذا التصور الأول اختلفت تفسيراتهم واجتهاداتهم في العقد الاجتماعي بين أن يكون حكمًا مطلقًا مطاعاً أبدًا، ليكبح الشرور الإنسانية كما يرى هوبز، وبين نظام يرى الأمة هي السلطة العليا، وأن الجماعة لا تجتمع على باطل وأن الحكومة هي موظف للأمة تضعها لتسير مصالحها فقط تبعًا لروسو.

أما جون لوك، فكان يؤمن بحقوق الإنسان الفطرية المطلقة (الحياة، والحرية، والتملك) ويرى النظام النيابي الملكي الدستوري، الثلاثي السلطات، هو الأمثل، فتذوب الحقوق الفردية في الإرادة العامة وتتحول الحقوق الفطرية إلى حقوق اجتماعية تحت تشريع القانون والدستور، وأن الأمة لا تتخلى عن حقوقها بل تأتمن عليها الدولة تحت شروط المواطنة. 

ومقامنا لا يتسع لشروح تنظير الثلاثة الكبار بهذا الشأن، وهو متاح لكل مريد، والمهم أن العقد الاجتماعي بكل أشكاله يقوم على ثلاثة تصورات، أولها الحالة الأصلية للإنسان ومنها ينبثق شكل وسبب تكون المجتمعات، وثانيها ماهية الحقوق الطبيعية لهذا الإنسان، وثالثها الطريقة المثلى لحفظ هذه الحقوق وتحويلها من حقوق فطرية تفرضها الطبيعية، إلى حقوق اجتماعية يفرضها النظام والقانون.

فإذا اتفقنا أن الماضي يقاس على الحاضر، وأن الفطرة السليمة هي الأصل، فالحالة الأصيلة عندنا تتفق مع لوك في أنها خيرة بامتياز (ومواطننا الأردني والعربي كانوا أفردّا أو مجتمعات أثبتوا عند الخطوب أنهم أصاحب معدن أصيل طيب) وأن المجتمعات تكونت لطبيعة الإنسان الاجتماعية والحاجات الاقتصادية والأمنية، وكان التعاون عنوان بقائها طبعًا، وبهذا ننفي حاجتنا إلى سلطة مطلقة تحمينا من شرور أنفسنا.

أما الحقوق الطبيعية فهي لاريب الحق في الحياة ( وهذا مقصد الشريعة السماوية الأول) والحرية (وهذه ليست امتيازًا بل هي مكون أصيل للإنسان) وحق الملكية بشرطين أولهما الاستفادة منها ومنعها من التلف(حتى ترفد الفرد والمجتمع) وثانيهما عدم التغول على الآخرين وأن يترك للجميع ما يكفيه، ويناط التملك بالعمل والموهبة. وهذه الحقوق الطبيعية تحتاج لقانون ينظمها تحت إطار الدولة التي تذوب فيها المصالح الفردية للحالة الأصلية (الطبيعية) إلى مصالح المجتمع وحقوقه الاجتماعية (وهذا بالضرورة لا يعني تخلي الفرد أو الجماعة عن الحقوق الفطرية بل هو شكل من إيداع هذه الحقوق عند الحكومة لصونها.

فإذا قصرت الحكومة فيما سبق تفقد شرعيتها بإخلالها بالعقد، ولا يكون هذا تهديدًا للنظام بل صمام أمان له وحفظ) فالمجتمع هنا هو المراقب والمحاسب لعمل الحكومة التي أنيط بها دور (التنفيذ والتشريع ) لهذه القوانين، وفض النزاعات بين الناس (القضاء) رجوعًا عند هذه التشاريع أيضًا، وبالمقابل يؤدي المواطن التزاماته اتجاه الدولة كحفظ النظام والانصياع للقانون، والدفاع عنها في السراء والضراء.

أما جون لوك، فكان يؤمن بحقوق الإنسان الفطرية المطلقة (الحياة، والحرية، والتملك) ويرى النظام النيابي الملكي الدستوري، الثلاثي السلطات، هو الأمثل.

وبناء على كل ما سبق، فإن غياب أي هذه التصورات، أو أي ضبابية في علاقة المواطن والدولة، يأخذنا لزامًا لغياب الثقة بين الدولة وأجهزتها والمجتمع وما يتبع هذا من تشوهات في الهوية الوطنية، وقيم الانتماء، ويفتت وحدة الصف الداخلي، ما قد يهدد إنساننا اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، ويحيلنا إلى حالة من السبات العام وعدم المبالاة التي سندفع ثمنها – لاقدر الله – عند أي تهديد أو خطر يستوجب منا الوقوف جنبًا إلى جنب. 

أعتقد أننا في الأردن وبلادنا العربية في ظل الراهن من المتغيرات والظروف نحتاج أن نكتب عقدًا جديدًا بين مواطننا المتعلم الواعي وحكوماتنا، نحفظ به أنفسنا وبلادنا، يكون فيه للجميع صوت مسموع يولد إجماعا يضعنا كلنا في خندق واحد، يرسم علاقة المواطن بالدولة حقوقًا وواجبات، يعيد ثقة الدولة وأجهزتها في المجتمع، وثقة المجتمع في الدولة وتشريعاتها، فيسند المجتمع الحكومات ويعطيها شرعية تواجه بها التحديات الخارجية والداخلية، وتعود المجتمعات لدور الرقيب على أداء هذه الحكومات متسلحة برؤية واضحة لحاجة الخضوع للسلطة وتأييده واجباتها والتزاماتها اتجاه الدولة ولا يتخلل هذه الرؤية أي زاوية معتمة قد ينفذ منها أي أحد، هذا فقط سيحصننا وبلادنا ضد القادم من التحديات، ويضمن مستقبلًا نريده لأطفالنا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.