شعار قسم مدونات

رمضان والقرآن

blogs أطفال في حلقة
أيام قليلة ويصل الضيف المنتظر والحبيب المرتقب والزائر الكريم، الحبيب الذي تشرئب له الأعناق وترنو إليه النفوس وتشتاق له الأرواح وتنتظره القلوب على أحر من الجمر، كيف لا وهو للروح بلسم وللقلب دواء وللنفس شفاء، يزكي الروح ويصقلها، ويطهر القلوب ويصفيها، إنه شهر الخيرات والبركات، شهر النفحات العظيمة والعطايا الجزيلة والفضائل الجسيمة.

هذا الشهر الذي كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يبشر به أمته ويهنئهم بمقدمه فيقول: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم). أخرجه النسائي وأحمد.

القرآن هو الروح والرحمة، والهدى والشفاء، والفرقان والنذير، والنور والروح، وهو الشفيع والأنيس، والرفيق والجليس، الحرف فيه بحسنة والحسنة بعشر والله يضاعف لمن يشاء.

ولعل من أهم ما يفيد المسلم في هذا الشهر أن يهيء نفسه من الآن لاستقبال هذا الضيف، ويعد عدته للاستفادة من كل لحظاته، وينقي قلبه ويتحلل مما يشغله ويثقل كاهله، ويطهر روحه لاستقبال نفحات الكريم المنان وعطايا الرحيم الرحمن، ويبدأ من الآن في تنفيذ برنامجه حتى يدخل الشهر والنفوس مهيأة، والقلوب مطمئنة، والأرواح منشرحة، فلا أفضل لاستغلال رمضان من تهيئة النفوس قبله ليسهل عليها العمل فيه، ولعل ما بقي من شعبان فرصة ثمينة للمران على برنامجك الرمضاني ؛ ليدخل الشهر وقد ألفت الروح السباق واستعدت للمسارعة واعتادت المنافسة.

وإن أفضل مهذب للروح بل هو الروح الحقيقية الذي تحيا به القلوب كتاب الله الملك الوهاب (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَاا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتتَقِيمٍ).
 

فالقرآن روح القلوب، وبينه وبين رمضان علاقة حميمة واتصال وثيق، فهو شهر نزول القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ). وفيه نزلت أول آية من القرآن، وفيه كان جبريل ينزل في كل ليلة يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن.

والقرآن هو الروح والرحمة، والهدى والشفاء، والفرقان والنذير، والنور والروح، وهو الشفيع والأنيس، والرفيق والجليس، الحرف فيه بحسنة والحسنة بعشر والله يضاعف لمن يشاء، وأهله أهل الله وخاصته، والماهر به يرتقي في الجنان على حسب تلاوته للقرآن فلا غرو أن يكون مع السفرة الكرام.
 

فكتاب بهذه الخصائص والمميزات لم ينزل لتسرد آياته ويجرد من معانيه ومضامينه ودلالاته، بل نزل لنتدبر آياته ونعمل به ونتلوه حق تلاوته (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوولُو الْأَلْبَابِ). والتدبر فريضة غابت وتغيب عن الكثير إيثارا للكم على الكيف، وتغليبا لعدد الأجزاء المقروءة على عدد المعاني المستنبطة.

القرآن روح القلوب، وبينه وبين رمضان علاقة حميمة واتصال وثيق، فهو شهر نزول القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).

في حين يجب أن نؤمن أن "القصد من القرآن فهم معانيه والعمل به فإلم تكن هذه همة قارئه فلن يكون من أهل العلم والدين". كما يوضح ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى. بل إن من معاني هجر القرآن هجر تدبره وتفهمه فالقراءة المجردة هجر للقرآن كما يوضح ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول: أحدها: هجرُ سَماعِهِ والإيمان به والإصغاءِ إليه.

والثاني: هجرُ العمـلِ به والـوقوفِ عند حلالِهِ وحرامِهِ، وإن قرِأهُ وآمنَ به. والثالث: هجرُ تحكيـمِه والتَّحـاكْم إليه في أصول الدِّين وفروعِه، واعتقادُ أنَّه لا يُفِيدُ اليقينَ، وأن أدلَّتهُ لفظيَّةٌ لا تُحصِّلُ العلمَ. والرابع: هجرُ تـدبُّرِه وتفهُّـمِه ومعرفةِ ما أراد المتكلِّمُ به منه.

والخامس: هجرُ الاستشفاءِ والتداوِي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها؛ فيَطلبُ شِفاءَ دائِهِ من غيره، ويَهجُرُ التداويَ به. وكلُّ هذا داخلٌ في قوله: (وقال الرَّسولُ يٰـرَبِّ إنَّ قوْمِى اتَّخذوا هٰـذا القُرءَانَ مهْجُورا). وإن كان بعضُ الهجرِ أهونَ من بعض. فأحضر قلبك وعقلك، واجلس مع القرآن جلسة متعلم، واقرأ بقصد التدبر والفهم والاستيعاب، فالقرآن سهل ميسر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.