شعار قسم مدونات

الإعلام كقوة ناعمة

BLOGS - الإعلام
لو أدركت المجتمعات، القوة الفائقة للإعلام، لأعارته اهتماما أكثر مما هو عليه الآن، ولسخرت له من الإمكانات ومن الأموال الشيء الكثير، فبواسطته تسيطر الدول على العقول، ويتم استخدامه في التلميع والتضليل والهجوم.

فبعد سنة 2011 والأحداث التي وقعت عربيا بما يسمى الربيع العربي، فطنت الدول إلى أن الإعلام قوة فتاكة أطاحت بأنظمة وأزاحت وخلخلت أنظمة الحكم بأخرى، وطرأت تغيرات وتحولات كبرى ساهمت في خلق خريطة جديدة، فالفايسبوك والواتساب وتويتر ورفاقهما هم العنوان البارز للقوة الناعمة التي تهدف للنفوذ والهيمنة والسلطة.

فالقوة التقليدية الممثلة عادة بالأسلحة الأرضية والجوية الثقيلة والخفيفة لم تعد تمثل الهيمنة والاستمرار لوحدها، لأن السلاح التقليدي لم يعد قوة فتاكة لوحده، بل ظهرت أنماط مختلفة تتناسب وتتناغم وطبيعة المرحلة. وهذه القوة الناعمة هي أبرز ما ظهر من المفاهيم الحديثة، وكان أول من استخدمه هو جوزيف باي لوصف القدرة على الجذب والضم دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع .

جولة واحدة لتتبع حدث معين في بضعة وسائل إعلامية تجد العجب العجاب حيث يظهر المجرم هنا بطلا في قناة أخرى، والخاسر رابحا، والأمر العادي عظيما، والشيء العظيم تافها.

في الآونة الأخيرة تم استخدام المصطلح للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية. هذه القوة الناعمة هي الإعلام، لأنه لعب ويلعب دورا مهما في توجيه العامة وربما سيتسبب في خداعهم.

يرى "ميشيل فوكو" أن القوة الناعمة تضمن إجبارا وإلزاما غير مباشرين على التغيير، قد تعجز القوة الصلبة على القيام به. والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية، ولكنها سجال عقلي يهدف إلى التأثير على الرأي العام وتحديثه. فخطورة الإعلام تكمن في القدرة على التأثير وبلورة الفكر، الذي يتحكم في تصرفاتنا ويعدل أفكارنا ويجعلنا نقتبس أحيانا مالا يلائمنا ولا يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا، استجابة لطبيعة المرحلة.

فالتأثير الإعلامي خفي في مضمونه، قوي في محصلته، والمطلع على نظرياته التي لا يتسع التطرق إليها الآن، سيرعبه ربما ما للإعلام من نفوذ قوي في استمالة وتوجيه وإبهار المتلقي، وقد يصنفه البعض في أنه سلطة متحكمة وموجهة للسلطات الأخرى، فبالرغم من أن الصحافة تسمى السلطة الرابعة إلا أنها باتت تنافس السلطات الثلاث، ومن خلالها يتم التلاعب بتلك السلطات والانقلاب عليها أحيانا، لأن أجهزة الاستخبارات في كثير من البلدان صارت هي من يؤسس الصحافة ويوجهها، لتحقيق أغراض من خلالها!

مما يدخلنا في أزمة المصداقية كأحد أهم الأزمات التي تواجه الإعلام المعاصر، كما تكمن خطورتها في أن المتلقي يلجأ إلى قنوات خارجية، مما يمثل انسلاخا ثقافيا، وأزمة الحيادية التي باتت أزمة الإعلام الحقيقية، حيث أصبح (الانحياز) السمة الغالبة، وأصبح نقل وتناول الخبر يعتمد على توجه وميول الوسيلة الإعلامية.

وبعيدا عن الواقع والتوصيف الحقيقي، فجولة واحدة لتتبع حدث معين في بضعة وسائل إعلامية تجد العجب العجاب حيث يظهر المجرم هنا بطلا في قناة أخرى، والخاسر رابحا، والأمر العادي عظيما، والشيء العظيم تافها، وهنا يحضرني هذا البيت الشعري، كتلخيص لهذه النقطة الأخيرة. وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.