شعار قسم مدونات

إن جاءكم فاسق بنبإ

مدونات - وكالة الأنباء القطرية

لقد هاجت مواقع التواصل الاجتماعي صبيحة الأربعاء بتصريحات مفبركة منسوب لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانٍ، إثر عملية "بلطجية" اخترق فيها موقع وكالة للأنباء القطرية "قنا" بعد أن تم قرصنته، وفقد موظفوه السيطرة عليه لما يزيد عن أربعة ساعات وفق لبيان نشر لاحقاً.

كانت أبرز التصريح المفبركة والمنسوبة للشيخ تميم تتحدث حولة "العلاقة القوية التي بنتها قطر مع إيران، وأن إيران دولة إسلامية قوية لها دور في استقرار المنطقة"؛ أما الثاني يتحدث حول "أن حماس هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأن قطر ستسعى لجعل تسوية ما، لما تتمتع به من علاقة لدى الطرفين، أي حماس والاحتلال الإسرائيلي" بخصوص التصريح الثالث التابع للفبركات فهو حول القاعدة الأمريكية في قطر.

إذا نظرنا لهذه التصريحات المُضلِّلة، نجدها مختارة بعناية فائقة، لدرجة اننا نقول قد وضعها مجموعة من خبراء الفبركات المحترفون في العلاقات الدولية، ورجالات المخابرات. فإذا أخذنا التصريحيين الأولين نجد أن الاول يُريد الإيقاع بين قطر، والسعودية.

هل يُعقل أن تنشر قناة خارجية خبر لرئيس بلد آخر قبل أن يُعمم على الإعلام المحلي الرسمي؟ وهل يُعقل أيضاً أن يُنقل خارجياً من وكالة دولة أخرى قبل أن ينزل على الصفحات الفرعية للوكالة التي نقل عنها ويجلب له محللين؟

السؤال لماذا اختاروا هؤلاء الإيقاع بين قطر والسعودية؟
أولاً أن هذه الفبركات أتت بعد كلمة قوية جداً للملك سلمان في قمة الرياض، أو ما يطلق عليها القمة الإسلامية الأمريكية، لقد ركز الملك سلمان في كلمته على دور إيران في المنطقة، واتهمُها بدعمها للإرهاب، وأنها تُزعزع آمن واستقرار الدولة العربية، وأنها هي محور الشر، بل هي الشر ذاته؛ كانت دائماً مثل هذه الاتهامات تأتي من الخارجية السعودية، أو المحللين المقربين من البلاط الملكي، لكن في هذه المرة أتت من الملك نفسه، وهذا له دلالة عندما يُنسب لأمير قطر تصريح بأن قطر بنت علاقات جيدة مع إيران، وأن إيران دولة إسلامية قوية ستحافظ على استقرار المنطقة.

أما التصريح الثاني يريد به الإيقاع بين قطر والولايات المتحدة، أو ترمب تحديداً، لأن نسب تصريح لأمير قطر في الوقت الذي أثناء فيه ترمب على دور قطر وتركيا تحديد دون غيرهما كان أمرا آثار حفيظة بعض الدولة التي لا ترغب بأن يذكر هذين الاسمين لهذه الدولة (الراعية للإرهاب وفق نظرتهم للإرهاب)، ثم أن ينسب أيضاً بأن حماس هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني هو يصب في ذات المصلحة، أي إغضاب ترمب من قطر الذي وصف بأن حماس منظمة "إرهابية" وسط القادة العرب الذين لم يحركوا ساكناً، بل صفق البعض الذي يعتبرها فعلاً كذلك.

فإذا كررنا نفس التساؤل السابق عن لماذا الإيقاع بين قطر والسعودية؟ وفي مصلحة مَنْ يصُب هذا الإيقاع؟  للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نعود للأحداث الأخيرة التي حصلت في اليمن، أو ما أُطلق عليه انقلاب عدن، لقد ظهرت فجأة مجموعة انفصالية في جنوب اليمن، ومن بين صفوف "الحكومة الشرعية" إثر تعديل في محافظ عدن قام به الرئيس عادي، الانقلاب الذي أُتهمت بتأجيجه دولة من بين دول التحالف التي تريد دحر الحوثين "المواليين لإيران" لكن صب الضغوط من المملكة السعودية وبعض الدول بما فيهم قطر التي لعب دوراً مهماً في ذلك جعل هذا الانقلاب يتبخر، وانفض الجموع من تأييده، بل انفض قياداته منه وتبرأوا مما قاموا به، هذه الحادثة شكلت صدمة لهذه الدولة راعية الانقلاب العدني، ولكي ينجح هذا المخطط لابد من الإيقاع بين السعودية، وقطر تحديداً لما لهم من نفوذ على المجموعات القوية على الأرض، ولا تُوجد طريقة مُثلىّ غير هذه الفبركات المفضوحة وإتهام قطر بأن لها علاقات مع إيران الخصم الواضح للسعودية.
 

إذا سألنا سؤال تقني كم يأخذ الخبر التلفزيوني ليخرج للمشاهد من ساعة وقعه إلى لحظة منتجته بتقارير؟ شخصياً لن أستطيع الإجابة لأن ليست لدي أي تجربة، لكن الخبر حسب متابعتي ينزل كخبر عاجل، ثم يتبعه مراسل القناة، ثم طرف ثالث يكون من داخل الدولة لشرح الملابسات الأولية، ثم تأتي عملية الضيوف المختصين في حدث معين، تأتي عملية التقارير إن كانت ميدانية، أو من داخل الأستوديو لأن في تلك اللحظة تكون قد اكتملت أركان الخبر، إما للتصديق، أو للنفي، فإذا تم نفي الخبر يلحق به وعادةً يأتي بعد ذكر الخبر وهذه الأشياء يعلمها أي طالب صحافة، بل أي متابع عادي مثلي بالضبط دعك من ممارس للمهنة لأكثر خمسة اعوام أو يزيد.
 

إن نقل القناتين الخبر يثير الريبة، ويُبرز عملية التدليس والتضليل الصحفي المتعمد من نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة. السؤال هُنا هل يُعقل أن تنشر قناة خارجية خبر لرئيس بلد آخر قبل أن يُعمم على الإعلام المحلي الرسمي؟ وهل يُعقل أيضاً أن يُنقل خارجياً من وكالة دولة أخرى قبل أن ينزل على الصفحات الفرعية للوكالة التي نقل عنها ويجلب له محللين؟ إنه لأمر مفزع ويثير الاستغراب في نفس الوقت، وتظل عملية التنسيق بين الجهة المخترقة، وهذه القنوات، وإلاّ لماذا هذا الانفراد الفريد الذي حظيت به هاتين القناتين دون بقية القنوات المحلية دعك عن العالمية الأخرى؟

السؤال الأكثر دهشة بالنسبة لي هو ما علاقة الجزيرة بالتصريح المفبرك المنسوب لأمير قطر؟ الإجابة القضية واضحة، والهدف معروف وهو عمل مبيت.

الأمر المثير للدهشة هو لماذا تجاهلت هذه القنوات التعميم الصحفي من وكالة "قنا" أن موقعها اخترق من جهات مجهولة؟ هذه الأسئلة ربما دارت في ذهن كل عاقل يتابع بموضوعية وبتحليل، ولا يتبع الإثارة الصحفية الصفراء، وعملية الصحافة المقرضة التي تُريد الإيقاع بين الشعوب، والدولة من أجل أطراف أخرى، ولا تعمل من الصحافة التي كان بها أن تكون سُلطة أولى قبل أن تكون سُلطة رابعة.

بعد انكشاف الأمر تم حجب موقع الجزيرة نت من هذه البلد، وكان السؤال الأكثر دهشة بالنسبة لي هو ما علاقة الجزيرة بالتصريح المفبرك المنسوب لأمير قطر؟ الإجابة القضية واضحة، والهدف معروف وهو عمل مبيت.

وفي الأخير، نختم بما قاله المولى في كتابه للمؤمنين، وهنا الإيمان مفتوح لكل نطاق يدخل في المسؤولية، والدخول فيه يعتبر تكليف ويطلق على صاحبه الذي يقوم به أنه مؤمن بما يقوم به وإلاّ أصبح عمله عمل منافق، والخطاب الموجه للمؤمنين يقول فيه الله جل شأنه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" الحجرات الآية 6 .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.