شعار قسم مدونات

الإرهاب.. الوجه الآخر

blogs - شعار داعش

يروي سانت أوغستين في كتابه "The City of God" أو "مدينة الإله" قصة القرصان الذي اعتقله الإسكندر الأكبر، وجه الإمبراطور سؤالاً للقرصان بعد اعتقاله قائلاً: "كيف تجرؤ على القتل والاعتداء وانتهاك البحار؟" أجاب القرصان بثقة وجرأة على الإمبراطور قائلاً له: "كيف تجرؤ على الانتهاك والاعتداء على العالم كله؟ أنا أعتدي على الناس بسفينة صغيرة، ويسمونني قرصاناً. أما أنت، فتعتدي وتقتل في العالم بأسطول بحري عسكري كامل؛ ملئ بالسفن الضخمة، ويسمونك إمبراطوراً.".

تعريف الإرهاب هو أهم تعريف في هذا العالم. إن تعريف هذه الكلمة يمكن أن يغير كل شيء في العالم اليوم؛ لأنه عندما نرى المعنى من وجهات نظر مختلفة وكثيرة، نحصل على رؤية أكثر توازنا للعالم. الإرهاب هو واحد من أكثر المفاهيم التي تم التلاعب بها؛ وهو أيضاً من أكثر الكلمات التي أُستخدم عليها الدعايا الإعلامية المغرضة لغرض احتكار المعنى النهائي للمصطلح. في الأصل، كما ذكر نعوم تشومسكي قائلاً: "مصطلح أو مفهوم "الإرهاب" بُدء باستخدامه في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، بشكل أساسي وأولي للإشارة إلى أعمال العنف التي تقوم بها الحكومات والتي تهدف إلى ضمان السيطرة على الشعوب."، وهذا هو ما يمكن تعريفه أيضاً بمصطلح "إرهاب الدولة.

إن السيدة كلنتون لا تعرف ماهي الوهابية أصلاً بل ربما أنها قرأت عدة مقالات ليساريين غربيين أو ليبراليين عن الوهابية؛ وأولئك بدورهم لا يعرفون ماهي الوهابية .

هذا التحول السريع في إستخدام المعنى لنقيضه تماماً منذ القرن الثامن عشر أعطى حكومات العالم الحصانة المطلقة من استخدام كلمة الإرهاب ضدها. مما خول بعض الحكومات إلى جعل هذا المصطلح نفسه الذي تم صناعته أصلاً لوصف العنف الذي تمارسه الدول ضد مواطنيها إلى سلاح بأيدي الحكومات أعطاها حرية مطلقة في عمليات الاعتقال التعسفي؛ التعذيب؛ الإعدام الميداني؛ السجن بدون محاكمة علنية ومن قضاء مستقل؛ والأسوأ من كل ما سبق احتلال الدول الصناعية والعسكرية للدول الأقل منها في التسليح.

هذا مبدأ إستخباراتي معروف؛ وهو أن تستخدم سلاح العدو ضده؛ وهذا ما استخدمته بالضبط ما كان يُسمى "عصبة الأمم" عام 1937؛ وعصبة الأمم هي مجلس شبيه لما يسمى الآن "الأمم المتحدة." قامت عصبة الأمم بإنتاج تعريف جديد كلياً للمصطلح عام 1937 عندما عرفته كالتالي: "الإرهاب هو جميع الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما…". هذا التحول التاريخي أخرج المصطلح من سياقه وهدف وجوده الأصلي؛ وصنع للحكومات المتنفذة منظومة كاملة من التبريرات لاستخدام قوة القتل المجردة ضد الشعوب والمدنيين أو السكان الأصليين المقاومين للاحتلال.

الإرهاب المصنوع
قبل تسعينات القرن الماضي لم يكن العالم مهووساً لهذه الدرجة بكلمة الإرهاب. وكان استخدامها على نطاق غير واسع جداً كما هو الآن. بدأ هذا الهوس عندما قررت أمريكا إسقاط الاتحاد السوفييتي الهالك بجنود رخيصو التكلفة من الدول العربية والإسلامية. كانت كما سمتها هيلاري كلنتون في اعتراف منشور أمام لجنة تحقيق في الكونغرس: "خطة ذكية جداً".

نعم قالتها هيلاري كلنتون أمام شاشات الكرة الأرضية والمقطع منشور بكثرة في الانترنت وقالت بكل وقاحة: "الناس اللذين نحاربهم اليوم (القاعدة) نحن صنعناهم ومولناهم… لقد كان الأمر بتخطيط الرئيس ريغن وبرفقة الكونغرس وكنا نرغب في إسقاط الاتحاد السوفيتي؛ ووجدنا هذه الفكرة الذكية بجلب هؤلاء المقاتلين من السعودية ونسختهم الوهابية المتطرفة من الإسلام وأعطيناهم السلاح ودربناهم… ونجحنا في خطتنا تلك.. ولكن للأسف غادرنا باكستان وأفغانستان وتركنا المنطقة للفراغ…".
 

هيلاري كلنتون لم تصف إلا حقيقة تاريخية مجردة لا لبس فيها ولا شك بها ومن مسؤول رفيع جداً أمام الكونغرس الأمريكي. إذن فكل حرف قد قيل.. ليس محرفاً أو مكذوباً عليها بل قالته بعظمة لسانها.
إلا أن الواحد منا ليقسم الأقسام المغلظة بأن السيدة كلنتون لا تعرف ماهي الوهابية أصلاً بل ربما أنها قرأت عدة مقالات ليساريين غربيين أو ليبراليين غربيين عن الوهابية؛ وأولئك الكُتُاب بدورهم لا يعرفون ماهي الوهابية أصلاً.

قالتها هيلاري كلنتون أمام شاشات الكرة الأرضية والمقطع منشور بكثرة في الانترنت وقالت بكل وقاحة: "الناس اللذين نحاربهم اليوم (القاعدة) نحن صنعناهم ومولناهم.

ومثال ذلك؛ تناقشت ذات مرة مع بورفسور غربي في الفلسفة السياسية وهو ماركسي يبرر جميع جرائم الأسد وبوتين في سوريا ويقول إن الأسد يحارب الإرهاب الوهابي السعودي؛ فسألته بكل بساطة وهدوء: "سيدي؛ ماذا تعرف عن الوهابية؟" قال: "أنه نظام متطرف في الإسلام" قلت له: "لا مشلكة.. ماهي الوهابية من وجهة نظر دينية؟" قال: "الوهابية تريد إعادة الزمن للوراء" قلت له: "لا مشلكة هنا أيضاً.. ولكن ماذا تعرف عن الوهابية في تفاصيلها من الناحية التاريخية والدينية والفكرية؟

رد على وهو يصرخ بشدة لم أرها في حياتي: "أنت تسألني للمرة الخامسة الآن يا… وقد أجبتك في كل مرة سألتني فيها…". قلت له: " لم تعطني جواباً واحداً عن ماهية الوهابية وتفاصيل تعاليمها التي أنت تحاربها الآن وتصنع سياسة بلدك ضدها بالكتب والمقالات؛ وربما تصنع وعياً سياسياً في بلدك يقود بالمحصلة إلى محاربة السعودية عسكرياً؛ وفي الحقيقة أنت لا تعرف ما هي الوهابية أصلاً." فبهت الذي كفر.

لست وهابياً.. ولا أريد أن أكون.. خصوصاً في أمور الفقه اليومي؛ وأعطي كامل الحق لأي طالب علم متمكن أن ينتقدها أشد الانتقاد.. ولكن أن تكون شخصاً لا يتقن العربية ولا يعرف من هو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ولا تفهم حتى مبادئه العقدية ولماذا ظهرت؛ فأنت جاهلُ جهلاً مركباً.. لا حق لديك في مناقشة أفكار الوهابية. فلتتقن العربية؛ إحفظ القرآن؛ إثني ركبك لسنوات عند العلماء وأحصل على بكالوريس في الشريعة على أقل تقدير؛ ثم تعال وناقشني كغربي أو حتى عربي. أما الصراخ ورمي الاتهامات جزافاً فقد ولى زمنه.

مصطلح أو مفهوم "الإرهاب" بُدئ باستخدامه في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، بشكل أساسي وأولي للإشارة إلى أعمال العنف التي تقوم بها الحكومات ضد الشعوب."، وهو ما يعرف ب"إرهاب الدولة".

صحفنا وقنواتنا العربية اليوم مليئة بمثل هذا النوع من البشر. من يقول بأن الإخوان جماعة إرهابية، والإخوان وفي كل تاريخهم لم يحملوا سكيناً واحداً قط إلا ضد المحتل الصهيوني فقط كحركة حماس. ولو سألت أحد من يسمون أنفسهم محللين أو مذيعين بالأسئلة التالية: ما هو فكر الإخوان المسلمين؟ ماهي مبادئهم؟ هل تعلم أنهم من أوصلوا عبدالناصر والسيسي للحكم؟ هل تعلم أن فكرهم العام وليس تنظيمهم كتنظيم يحكم في كل من الدول التالية: تركيا؛ السودان؛ المغرب؛ غزة؛ نيجريا وغيرها..

هل تعلم أنهم أقوى قوة عسكرية في اليمن متمثلة في التجمع الوطني للإصلاح الذي يكون أغلب الجيش اليمني الجديد وأغلب قوات ما يسمى بالمقاومة الشعبية وفرضوا نائباً للرئيس منهم فرضاً على العالم أجمع؟ هل تعلم أنه لا يوجد أحد في الأمة الإسلامية اليوم يوجه الرصاص للمحتل الإسرائيلي سوى حماس الإخوانية؟ وغيرها من الأسئلة لن يجيبك إجابة صحيحة واحدة على أي منها أطلاقاً.

بعد الفراغ الذي تركته أمريكا في أفغانستان دخلت روسيا على الخط وجندت عميلها السري أيمن الظواهري واستخدمته كسلاح ضد أمريكا. هذه الحقيقة التاريخية ذكرها الشهيد المسلم الكسندر ليتفننكو في غير ما مكان. من يريد مكافحة الإرهاب فلن يستطيع مكافحته ببوتين ولا بالسيسي أو ترمب؛ مكافحة الإرهاب تبدأ بالاعتذار عن الدماء الغزيرة والأجساد التي تفحمت حرقاً في ميدان رابعة العدوية. لأنه قبل ذلك اليوم 14-08-2013 لم يكن لداعش دولة. والسماح للإسلام المعتدل بالتنفس ليواجه داعش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.