شعار قسم مدونات

دعونا نحيا كما نشاء

wheelchair

ليس معنى أنني مقعد جالس على كرسي متحرك أنني قد فقدت الإرادة والحق في الاختيار، وليس معناه بالمطلق أن يأتي غيري أيا من كان هذا الغير وكيفما كان ليقرر مكاني ويحجّر على عقلي كما يتم عادة في مجتمعاتنا المريضة بداء التسلط العضال.

ليس معنى أنني معاق كما يحلو لكم تسميتي وتطربون في مجالسكم بترديد هذه الصفة المحقرة، ليس معناه بالمطلق أني معاق الفكر أو التخطيط أو الهمة بل قد أكون ـ وأتحداكم ـ أذكى منكم وأمهر وأشد حصافة من عقولكم التي عطلتها أو كادت ماديتكم المقيتة وحبكم الأٍعمى للمظاهر وركونكم الدوابي للدنيا وبهرجها.

اختارنا الله عز وجل واجتبانا من بين ملايين بل بلايين البشر لنكون محط نظره عز وجل، محط ابتلائه واختباره، ليبلونا أنشكر أم نكفر.

لن أقبل حتى إن بقيت عاري الجسد أن يختار أحد لي ثوب على غير اختياري ويفصل بمقاس على غير مقاسي ويخاط وفق ذوق يخالف بالقطع ذوقي لألبسه خانعا خاضعا لنزوات بعضكم الاستعبادية التسلطية.

لطالما تغاضينا عن احتقار مجتمع ذي نزعات استعلائية ليس يرى فينا معشر "المعطوبين" كما يحلو له وصفنا إلا مجرد أشخاص يمثلون مظهر سخط الله على البشرية وبلاء مسلطا لزيغها ف "المعاق" في دارجة المجتمع بلاء مسلط وجب التعوذ منه وتجنبه وحتى في حالة الاضطرار وجب ممارسة الأستاذية عليه انطلاقا من كونه فاقد لكل مقومات الآدمية.

أذكر جيدا موقفا حفر في ذاكرتي وأنا الخامسة عشر من عمري حين دخلت مسجدا لم آلف ارتياده من قبل، ففوجئت بشخص يهتف في وجهي بصوت عال وبسبابة تشبه سبابة القاضي المتهمة قائلا: "الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به وفضلنا علينا تفضيلا".
 
تبسمت في وجه الرجل "المعاق الفهم والإنسانية" وفي القلب ما الله وحده أعلم به من مشاعر الأسى والأسف على أمة عوتب نبيها الأكرم صل الله عليه وسلم وهي المعاتبة الوحيدة البارزة التي خلدها القرآن الكريم إلى يوم الدين، وسببها مجرد عبوس غير مقصود من الرحمة المهداة في وجه أعمى، فكيف بمن جاوز العبس إلى ما هو أفظع وأشنع.

اختارنا سبحانه لنكون مظهرا آخر من مظاهر قدرته على الخلق وبديع صنعه "يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ"، هي حياتنا وهو اختيار الله فينا ولنا فلا تضيقوا بتصنيفاتكم حياتنا.

الدعوة التي يمكن لي كشخص "معاق" أن أوجهها للأقارب والأباعد في مجتمعاتنا المادية تتلخص في نصيحة فحواها أن لا أحد كامل إلا من كمله الله عز وجل، وأن النقص سمة إنسانية وسم بها البشر منذ الأزل، إن الإعاقة وفق منطقكم المريض تنسحب لتشمل كل نقص فالفقر إعاقة والغباء إعاقة والكبر إعاقة، وتبلد الذوق إعاقة…، فالعجز كل العجز حين لا تتجاوزون أنانياتكم لتحكموا على شخص ابتلاه الله تعالى بأنه لا يصلح إلا ليكون مهملا مهمشا بل تودون لو تتخلصون منا بموتنا.

ولأن التعميم مضنة الجهل والخطأ فإن من الإنصاف أن نقول بأن في مجتمعاتنا من يحترم ويقدر الشخص في وضعية إعاقة يعتبر بشرا كباقي البشر دون حيف ولا حجر، هم على قلتهم وخفوت صوتهم ال أمل المرجو في رفع هذا الظلم المجتمعي الجاثم على الإرادات قبل الأنفاس.

هي حياتنا اختارنا الله عز وجل واجتبانا من بين ملايين بل بلايين البشر لنكون محط نظره عز وجل، محط ابتلائه واختباره، ليبلونا أنشكر أم نكفر، اختارنا سبحانه لنكون مظهرا آخر من مظاهر قدرته على الخلق وبديع صنعه "يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ"، هي حياتنا وهو اختيار الله فينا ولنا فلا تضيقوا بتصنيفاتكم حياتنا ولا تصادروا قرارنا في حياة بكرامة وآدمية، دعونا نحيا كما نشاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.