شعار قسم مدونات

ست سنوات حب.. ستة أشهر زواج

Blogs - love

لا تخلو أيامنا من تلك الحكايات التي تدمي القلب أبطالها الحزينون غالبا زوجان افترقا بعد مدة قليلة من عقد القران بعدما تعرفا على بعضها لسنين طويلة ليشق كل واحد منهما طريقه ويبني حياته بعيدا عن الآخر وكأن شيئا لم يكن. "طلقا بعد سبع سنوات حب و شهرين زواج" "طلبت الطلاق بعد ثلاثة أشهر فقط، بعدما عاشا قصة حب دامت خمس سنوات" "لم يستطيعا تحمل بعضها في بيت الزوجية، لم يتحملها ولَم تصبر عليه" "وكأن الحب الذي جمعهما فص ملح وذاب مباشرة بعد الزواج" "اكتشفا اختلافات كثيرة بينهما رغم أنهما كان يحبان بعضهما لذلك قررا الطلاق، لمصلحتهما معا" "اكتشفت وحشا بعدما عاشت معه تحت نفس السقف" "اكتشف منافقة كبيرة لا تمت للصورة التي أعطتها خلال كل تلك السنين قبل الزواج، فطلقها" "أخبرته أنها تكسب راتبا يساوي راتبه وأنه ليس أولويتها في الحياة" "أخبرها أنه بمكانته ونقوده يمكنه أن يتزوج فتاة أجمل منها إن أراد".

 

أخبرها وأخبرته، وأخبروا أهاليهم، فجع الأصدقاء والمقربون لهذا المصاب الجلل وهذا السرطان الذي فتك بهذه العلاقة التي كان الكل يحلف بأغلظ الإيمان على خلودها، شجعتها صديقاتها على الطلاق والمضي قدما، أخبره أصدقاؤه أنه يستحق أفضل منها بكثير وأنها جد متكبرة ومتعجرفة. افترقا لمدة، عاد الود بينهما لكن عزة النفس والأفكار التي شحنهم بها المقربون جعلتهم يفكرون في كل شيء ماعدا المصالحة ونسيان الماضي والمضي قدما وبدء صفحة جديدة. شجعهم الكل على الطلاق فشجعا نفسيهما، نسيا كل الجمال والذكريات والحب والأحلام. وقعا على ورقة الطلاق التي كانت مفترق طريقين سلك كل منهما واحدا.

 

تعددت الأسباب والمصير واحد، كان بإمكان ما كسر أن يصلح مع قليل من التريث لكن التهور كان سيد الموقف. فافترقوا غالبا لهذه الأسباب:

 

-الصبر أندر من الألماس:

قربت التكنولوجيا المسافات وسهلت المهام في البيت والشارع وكل مكان لكنها تقتل رويدا أنبل ما في الإنسان، الصبر. أصبح الزوجان عديمي الصبر والانتظار، الكل يريد أن يحصل على كل شيء في أقصر وقت ممكن. فقدت الأشياء العظيمة جوهرها واستوطنتها الماديات وقلة الإصغاء والأنانية. لا الزوجة تضع نفسها في مكان زوجها ولا الزوج قادر على تخيل معاناة امرأة تتحمل الكثير من شقاء بيت ومواصلات وعمل خارج البيت وهرمونات تنغص عليها معيشتها. لا أحد يضع نفسه مكان الآخر لأنهم يضعون أنفسهم في أماكنهم  "بالعافية ". لا نتناقش، نصرخ فقط ولت ننصت أبدا، نضع المسؤولية كلها على عاتق الطرف الاخر وكأننا ملائكة نزلت لتوها من السماء.

 

– حرق الأوراق كلها قبل بدء المباراة:

تعتبر مؤسسة الزواج أطول مباراة ثنائية يخوضها شخصان على الإطلاق، دون نية الفوز على الطرف الآخر، فكلا اللاعبين عليهم الفوز لأن الخصم الحقيقي هو صعوبات الحياة، ومن مستحبات المباريات والسباقات والماراثونات ألا يحرق اللاعبون أوراقهم وألا ينطلقوا بسرعة فائقة وحبذا لو لم يحرق العشاق كذلك أوراقهم كلها في سنوات الحب التي تسبق الزواج، فغالبا ما تجعل الصبابة وشعلة العشق الحبيبين متحمسان فيحكيان لبعضهم كل شيء ابتداء من العلاقات السابقة التي باءت بالفشل قبل لقاء Better Half إلى أسرار الأسرة والعائلة كلها مرورا بكشف الصالح والطالح وكل شيء يستطيع ملأ ساعات الليل الطويلة التي يمضيانها على سماعة الهاتف. فيصيران كالذي أكل كثيرا بعد جوع وأصيب ببِطنة لن تزول. يعرفان عن بعضهما كل شيء حتى التفاصيل الصغيرة جدا التي لا أهمية لها فيستوطن أحيانا الملل لكنهما يكملان ويقرران الزواج لأن العرف يقضي بزواج شخصين أمضيا خمسة سنين يحكيان عن الحب وكل شيء آخر على الهاتف.

 

يستوطن قليل من الملل لأن لا شيء جديد، لا شيء يلوح في الأفق، كل شيء كشف قبل بدء المباراة الحقيقية التي تستلزم ذكاء ثاقبا وصبرا عظيما لإكمالها. يغيب عنصر التشويق فيضطر اللاعبان لتمرير الكرة لمدة بينهما لتنتهي المباراة قبل أوانها تحت تصفير الجمهور المخذول. للحب حرمة نبراسها التريث والصبر والستر لأن الكثير من الأشياء تموت حين تقال.

 

– صداقة الزوجين أهم مِن حبهما: كن صديقي:

كانا يحكيان كل شيء لبعضهما من حب وأشعار وغزل لكنهما لم يكونا صديقين أبدا، نسيا أهم شيء  في الزواج وهو الصداقة. اعتبرا أنهما بالحب تجاوزاها لكنها نسيا أنها الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه مؤسسة الزواج قبل "المهر" و "العفش" و "المال" و "الزفاف" وكل شيء آخر. وعلى الصديقين رغم اختلاف مواضيع اهتمامهما أن يتقبَّلا بعضهما، يضعا نفسهما مكان بعضهما ويغفرا، يغضا البصر عن أمور تافهة مزعجة ويتناقشا بعقلانية في الأمور الأكثر أهمية، ينصتا كثيرا أثناء حديث الآخر وأن يآزرا بعضهما في وقت المحن لأن الصديق وقت الضيق والصديق قبل الطريق.

 

– تحري الصدق واجب، الكذب وإيهام الآخر أول مسمار يدق في نعش الحب:

أخبرني أحدهم يوما أنه طلق زوجته لأنها أخبرته أثناء تعارفهما أن أمها طبيبة وأبوها أستاذ جامعي ليكتشف بعد الزواج أن أمها ربة بيت "فقط" وأبو متقاعد كان يشتغل في إدارة من إدارات الدولة. إحداهن أخبرتني أنها شعرت "بضيق شديد" عندما اكتشفت بعد زواجها أن رفيق دربها لم يدرس بمؤسسة الدولة كما سبق وأخبرها لكنه حصل على شهادة من مؤسسة خاصة مقابل مبلغ مالي.

 

في غالب الأحيان يكذب العشاق لنيل إعجاب أحبائهم، فيضطر الفتى مثلا إلى الكذب بشأن تحرره وتشجيعه للمرأة في حين أنه ليس كذلك إضافة إلى وضع عائلته المالي لأنه يخشى أن يخفت إعجاب وحب الفتاة له بسبب قصر اليد وتضطر الفتاة مثلا  للكذب في أمور عدة منها طموحاتها ونواياها بعد الزواج و شكلها فتغطي وجهها بالمساحيق لإخفاء الهالات السوداء والبثور إضافة إلى الاعتناء المفرط بالمظهر لإخفاء عيوبه وإظهار نفسها في أجمل الحلل وأبهاها ليكتشف الحبيب بعد الزواج بعدما يستيقظ صباحا وينظر إلى وجهها ويرى  هالات سوداء وبثورا وزغبا خفيفا فوق الشفتين لم يرهم قبلا  ورائحة بصل وثوم التصقتا بها أمس عندما كانت تحضر العشاء بعد عودتها من يوم شاق من العمل ونامت وهي متعبة. على فكرة، لا الفقر عيب ولا الهالات السوداء عيب ولا الطموح عيب لكن عدم القدرة على العيش بها والتعايش معها أمام شريك الحياة ببساطة وعفوية هي كل العيب. والأفظع من ذلك هو إيهام شريك الحياة بعكس الأشياء وإغراقه في الكذب (من كلا الطرفين) لأن الحقيقة لحسن الحظ تجيد السباحة وغالبا ما تطفو على السطح مغرقة بذلك كل الأكاذيب التي سبقتها.

 

– مناقشة جميع المواضيع المتعلقة بكل جوانب الحياة الزوجية وعدم تسويفها.

ست سنوات حب، ذلك حال محاكم الدول العربية التي صارت تعج بقضايا الطلاق المهولة لتصير حالة طلاق من كل ثلاث حالات زواج للأسف علما أن الغرض من الزواج لم يكن الطلاق أبدا

يستصغر في غالب الأحيان الشريكان عظمة مؤسسة الزواج وأهميتها فيصيران يطلقان وعودا هنا وهناك بحياة وردية كقطعة خرجت من الجنة وأخرى بالتزام دائم تجاه بعضهما فيتشكل لديهما ما يسمى ب High Hopes، آملا عريضة بأن الزواج هو ذلك المصباح السحري الذي سيجعل حياتك تتحول 180 درجة فتصير دون حزن ولا تعب لتحبط بعد الزواج High expectations ويظهر نوع من الأنانية التي تُجهض هاته الآمال.  فتجد الحبيبين قبل الزواج تكلما عن المهر والعفش وصالة الحفل وأسماء الضيوف والفرقة الموسيقية وممون الحفلات وهدايا العروس لكنها لم يتحدثا قط عن الواجبات المنزلية وتقاسم الأعباء والمصاريف وزيارات الأهل وواجبات الزوج والزوجة ومستقبل الأطفال وأحلام الزوجين وأهدافهما والتضحيات التي يمكن لكليهما أن يقوما بها من أجل إسعاد الآخر والحفاظ على استقرار البيت والسير بالسفينة إلى بر الأمان. فتتخلى الزوجة عن دراستها وهي تحمل الزوج المسؤولية أو يحرم الزوج نفسه من أحلامه من أجلها هي. يتناسيان أن الرؤية يجب أن تكون واحدة وليست مزدوجة و الهدف يجب أن يكون نبيلا غرضه إسعاد شخصين ضحيا كثيرا من أجل بعضها لإيمان وثيق منهما أنهما شخص واحد وأنهما يستحقان السعادة ،  صلاحهما من صلاح كل واحد منهما وأن الذكاء العاطفي هو أساس علاقة زوجية متينة تقف في وجه الصعوبات مهما كانت، شعارها قدسية العقد وحس المسؤولية من الطرفين.

 

ست سنوات حب ، ذلك حال محاكم الدول العربية التي صارت تعج بقضايا الطلاق المهولة لتصير حالة طلاق من كل ثلاث حالات زواج للأسف علما أن الغرض من الزواج لم يكن الطلاق أبدا بل كان تطبيقا لسنة كونية تمهد لمؤسسة صالحة غايتها تربية أبناء صالحين قادرين على حمل هموم الأمة وإصلاحها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.